جدوى مشاريع المدن الصناعية.. الحسبة سهلة

05/03/2012 2
سعود الأحمد

الدول الخليجية في هذه الحقبة من الزمن أمام قرار استراتيجي ومفصلي: هل تبقي على النفط في أعماق الأرض خدمة للأجيال القادمة أم تستخرج منه وتبيع قدر الإمكان وتدور عوائده لدعم خطط التنمية الاقتصادية؟ وهذا الموضوع كان محور نقاش مجلس الشورى السعودي بتاريخ 26 سبتمبر (أيلول) 2009.. وأعتقد أنه موضوع يستحق التفاعل معه وفتح ملفات له في جميع دوائر اتخاذ القرار.

والجدل في هذا الموضوع لم ولن يتوقف.. لأنه بالفعل هناك تيار قوي يرى أن حجم الإنتاج النفطي يجب أن يرتبط بالحاجة الفعلية لتمويل خطط التنمية، وما زاد على ذلك يبقى كمخزون احتياطي في أعماق الأرض لمصلحة الأجيال القادمة! وفي المقابل يرى التيار الآخر أن إنتاج النفط يجب أن يرتبط بحجم الطلب في الأسواق العالمية، وبالقدر الذي يوفر مزيدا من الأموال، لأن بقاءه في أعماق الأرض يصاحبه مخاطر تطورات الطلب ونجاحات أبحاث الطاقة البديلة. ويرى هذا الفريق أن يتم استثمار عوائد النفط بضخها في حجم الاقتصاد.

وبالنسبة لي.. أشعر بالسعادة تغمرني، وأحتفل في داخل نفسي كلما صدر قرار إنفاق محلي يضيف لبنة إلى كيان الاقتصاد الوطني بمختلف أشكال هذه الإضافات وأينما أمطرت قطراتها في مختلف نواحي البلاد.

فآخر مناسبة سعيدة من هذا النوع.. وأنا أقرأ خبر صدور قرار مجلس الوزراء (الأسبوع قبل الماضي) القاضي بالموافقة على إنشاء «مدينة وعد الشمال للصناعات التعدينية»، لأنني على يقين تام من جدوى تشييد مثل هذه المشاريع، ولأنها الخطوة الأولى للحاق بركب التنمية العالمية، ولأن الحسبة سهلة (جدا) في مسألة الجدوى الاقتصادية لهذا التوجه. بل وكنت أتمنى لو أن القرار قرن بتاريخ البدء والافتتاح الفعلي، ولو تقريبيا، لأن الوقت يعني الكثير في مسألة بناء المشاريع الإنتاجية.

فبناء مدينة «وعد الشمال» الصناعية يعني إضافة صرح جديد للمشاريع الاستراتيجية التنموية.. على الطريق الواعد لمعالجة مختلف مشاكل المجتمع، ولأنها ستكون رافدا أساسيا من روافد التنمية الاقتصادية والاجتماعية وخطوة جديدة على طريق التنمية المتوازنة للمملكة، ولأن هذا المشروع (بالذات) يعتبر لمسة وفاء لوعد من خادم الحرمين الشريفين لأهالي منطقة الحدود الشمالية بأن تأخذ المنطقة نصيبها من الرخاء والتنمية.

إنها المدن الصناعية التي تتيح الفرص الوظيفية وترفع معدلات القدرة الإنتاجية للمواطن وتنعش المدن والقرى والبلدات التي تقع فيها والقريبة منها وترفع مستوى دخل الفرد بين أهالي هذه المناطق، وتزيد من خيارات المواقع المتاحة لسكن وبقاء المواطن وتكوين أسرته فيها، وتسرع مشاريع توفير خدمات الطرق البرية والسكك الحديدية والمطارات والسدود وفروع الجامعات والكليات، وتخفف الضغط السكاني عن المدن الرئيسية وتضيف للناتج المحلي مساهمات ترفع معدل الدخل القومي.

ولعل الحسبة سهلة في مسألة الجدوى الاقتصادية من بناء المدن الصناعية، إذا علمنا أن تكلفة بناء «مدينة وعد الشمال للصناعات التعدينية» تقارب 26 مليار ريال، وفي ذات الوقت فإن هذا المشروع سيضيف نحو 15 مليار ريال سنويا إلى الناتج المحلي. وفي المقابل نجد البديل، إما في بقاء النفط بأعماق الأرض لا يعلم ماذا سيؤول إليه مصيره على أنه مصدر الطاقة الأوحد، وإما جعله في صورة احتياطات مالية تستثمر بعوائد ضئيلة وفي ظل مخاطر الأسواق العالمية.

الشاهد أن خيار الإنفاق المحلي يتمثل في بناء المشاريع الإنتاجية.