بعد أن ضغطت أوروبا على أعصاب العالم بمشاكل ديونها السيادية لشهور عديدة هذا العام، إذا بقادتها يتوصلون إلى اتفاق تاريخي، قد يخرجها من أزمتها الراهنة المتمثلة في عجز اليونان عن سداد أقساط ديونها الضخمة، والحيلولة دون وقوع دول أخرى وفي مقدمتها أسبانيا وإيطاليا عن الوقوع في نفس المشكلة لاحقاً. وبتعبير آخر إن هذا الاتفاق قد أعطى مشروع الوحدة النقدية الأوروبية المتمثل في اليورو فرصة للصمود في وجه التحديات، ليس فقط من خلال منع إفلاس دولة أو أكثر من دول الاتحاد وتحاشي انهيار منظومتها المصرفية، وإنما بإحداث مراجعة لآليات النظام النقدي الأوروبي لتطويرها وتعزيزها. فما هي أهم نقاط الاتفاق الأوروبي، وما هي تداعياته على الاقتصاد العالمي وعلى منطقتنا العربية؟
تتلخص أهم بنود الاتفاق الذي سيدعم اليونان بنحو 100 مليار يورو في الآتي:
1- قبول حاملي السندات الحكومية اليونانية- وأغلبها بنوك أوروبية- بشطب 50% من قيمة تلك السندات.
2- التعهد باستكمال المفاوضات لوضع خطة ثانية للدعم المالي لليونان قبل نهاية العام الحالي تبلغ 130 مليار يورو بدلاً من 109 مليار يورو المتفق عليها في قمة الاتحاد الأوروبي في شهر يوليو الماضي،.
3- زيادة رأسمال صندوق الاستقرار الأوروبي من 440 مليار يورو إلى تريليون يورو لاستباق أي تفاقم محتمل لأزمات ديون سيادية في دول أخرى مثل إيطاليا وأسبانيا.
4- وضع خطة لإعادة رسملة البنوك الأوروبية التي ستتأثر بتخفيض ديون اليونان بقيمة 106 مليار ريال.
وقد أدى الإعلان عن الاتفاق إلى تحسن ملحوظ في كافة مؤشرات أسواق الأسهم العالمية فارتفعت بقوة خلال الأسبوع الماضي، وارتفع سعر صرف اليورو مقابل الدولار إلى 1.4147 دولار بعد أن كان قد هبط قبل أسابيع إلى 1.3150 دولار. ونستخلص مما تقدم أن أوروبا قد اختارت المضي قدماً في مشروع وحدتها النقدية باعتبار أن تصدع هذه الوحدة سيكون وبالاً على جميع الدول الأوروبية بلا استثناء، من حيث أنه سيؤدي إلى حالات من الإفلاس للدول والبنوك، وإلى الدخول في انكماش اقتصادي قوي، وتفجر مشاكل البطالة وارتفاع معدلاتها إلى مستويات قياسية، مع كل ما ينجم عن ذلك من مشاكل سياسية واقتصادية. ولم تكن تلك الآثار السلبية لتصيب دول أوروبا فحسب وإنما ستمتد آثارها إلى بقية دول العالم فيزداد الوضع سوءاً في الولايات المتحدة، وتتضرر مصالح الدول الصاعدة كالصين والبرازيل والهند وغيرها، ناهيك عن الدول النامية الأخرى، وذلك نظراً لتشابك المصالح والعلاقات التجارية والاقتصادية بين دول العالم في العصر الحديث. وستكون الدول العربية في جنوب البحر المتوسط من بين المتضررين وخاصة دول الربيع العربي تونس ومصر اللتين تنتظران مساعدات أوروبية مقررة في إطار احتواء ما خلفته الثورات من أضرار على الصعيد الاقتصادي والبنى التحتية.
أما وقد خرجت أوروبا باتفاقها التاريخي الذي سيحول دون حدوث المزيد من الانهيارات في أوروبا، فإن لنا أن نتفاءل بأن أسوأ ما في الأزمة قد بات خلف ظهرانينا. وقد كانت أسواق المال سباقة في الاستجابة لهذه التطورات فارتفع سعر صرف اليورو من ناحية وارتفعت أسعار الأسهم العالمية من جهة أخرى.
ومن بين النتائج المحتملة للأزمة وتبعاتها أن الدول الصاعدة كالصين والبرازيل وبعض دول مجلس التعاون، ستجد نفسها مدعوة لزيادة استثماراتها في السندات الأوروبية مثلما هو حالها مع الاستثمار في السندات الأمريكية، أي أن هذا التوسع سيكون في جزء منه على حساب الاستثمار في السندات الأمريكية، وقد تضطر الولايات المتحدة إلى رفع أسعار الفائدة على الدولار لزيادة الإقبال على السندات الأمريكية، وهو ما يعني وقف تدهور سعر صرف الدولار مقابل اليورو والين عند مستوى معين.
وإذا ما استقرت الأمور في أوروبا فإن ذلك سيؤدي إلى توقف ارتفاع سعر أونصة الذهب عند المستويات الراهنة بحيث لا يتجاوز 1800 دولار للأونصة. أما إذا تبين عدم قدرة الاتفاق ببنوده المشار إليها أعلاه عن حل مشاكل الديون السيادية في أوروبا، فإن سعر أونصة الذهب سيعود إلى الارتفاع لاحقاً وقد يتجاوز مستوى 2000 دولار للأونصة.
ويظل على دول مجلس التعاون أن تستفيد من التجربة الأوربية وهو تخطو لإنشاء عملتها الخليجية الموحدة، ورغم أن الظروف تبدو مختلفة جداً من حيث محدودية عدد دول المجلس وتجانس أنظمتها الاقتصادية إلى حد ما فإن الأخذ بالعبر والدروس الأوروبية أمر مهم في صياغة نظام خليجي أكثر قدرة على البقاء في وجه ما قد يستجد من تحديات.
ويظل ما كتب رأي شخصي يحتمل الصواب والخطأ،،،، والله سبحانه أجل وأعلم.