تحجير الأراضي البيضاء دون استغلال!!

12/10/2011 25
محمد العمران

من أهم المبادئ الاقتصادية في الإسلام هو مبدأ محاربة اكتناز الأموال النقدية وتحجير الأصول العقارية (مثل الأراضي البيضاء) دون استغلال، حيث إن الشريعة الإسلامية بمصادرها المختلفة تشدد على مسألة توظيف رؤوس الأموال التوظيف الأمثل والسعي إلى تنمية وسائل الإنتاج وتوظيف العنصر البشري واستغلال الموارد المتاحة، وأعتقد أن الجميع يتفق معي حول المخاطر الاقتصادية التي تتسبب بها مسألة اكتناز الأموال النقدية وتحجير الأراضي البيضاء على أي اقتصاد.

ولا شك أن النهضة الاقتصادية التي شهدتها الدول المتقدمة في القرنين الأخيرين تعود بالدرجة الأولى إلى تطبيق قوانين ضريبية صارمة تحارب الاكتناز والتحجير بكافة أشكاله، حيث إن حكومات هذه الدول كانت تهدف إلى محاربة الاكتناز الجائر للأموال وتحجير الأصول العقارية من طرف وإلى تنمية مصادر الدخل الحكومي من طرف آخر، إلا أن اللافت أنه على الرغم من أن هذه الحكومات لا تطبق الشريعة الإسلامية إلا أنها طبقت مبادئ اقتصادية نابعة من الدين الإسلامي جعلها تسيطر على الاقتصاد العالمي صناعيا وتجاريا وماليا وخدميا منذ مئات السنين.

أما بالنسبة لنا، فنحن المسلمين لم نطبق هذه المبادئ الاقتصادية حتى الآن، والدليل على ذلك المستويات القياسية التي تسجلها أحجام الودائع لدى المصارف التجارية والنسبة المرتفعة للأراضي البيضاء غير المستغلة لسنوات طويلة جدا في جميع المدن الرئيسة، في وقت نعاني فيه مستويات قياسية أيضا من نسب البطالة والتضخم (بما في ذلك الارتفاع الكبير لأسعار الأراضي) والفساد، وهنا سأركز على جزئية الأراضي البيضاء غير المستغلة في محاولة لفهم أسباب وجودها وارتفاع أسعارها.

فمن حق العقاريين أن يمتلكوا الأراضي البيضاء، لكن ما يحدث على الواقع أنهم يحجرون هذه الأراضي ولسنوات طويلة جدا دون استغلال لها (فهم لا يطورون ولا يبيعون) في حين أنهم لا يدفعون أي ضرائب على عدم استغلالهم لها، بل المضحك أنهم كانوا حتى وقت قريب يجمعون الأموال ويستثمرونها نيابة عن الغير في مشاريع عقارية دون حسيب أو رقيب. أما موضوع الزكاة فهو ذو حديث شجون، فغالبية العقاريين (وربما جميعهم) يحجر الأراضي البيضاء لسنوات طويلة وبمساحات ضخمة دون أن يدفع زكاة عليها على أساس أنها ليست من عروض التجارة وأن النية عندهم هي للاستخدام الشخصي (رغم عدم منطقية مساحة الأراضي مع فكرة الاستخدام الشخصي)!!

ثم بعد سنوات طويلة جدا من عدم دفع الزكاة الشرعية، تتغير النية وبقدرة قادر يقررون بيع هذه الأراضي البيضاء وحينها يدفعون الزكاة للعام الأخير فقط لا غير، ويا سبحان الله. وفي الحقيقة، عندما أعود بالزمن للخلف فإنني لم أجد أرضا بيضاء واحدة فقط في حياتي إلا وتغيرت نية أصحابها وهي ظاهرة غريبة تستحق الدراسة!!! ولا أبالغ في القول إن غالبية العقاريين يتلاعبون بالنوايا كيفما شاؤوا للهروب من الزكاة الشرعية المفروضة عليها، وهنا اسمحوا لي أن أتساءل: ما هذا الاستخفاف بالعقول؟ وهل هذا من الإسلام من شيء؟ والأهم أليس هذا التفافا واضحا على الفتاوى الشرعية التي يتم التركيز فيها على النية بشكل واضح ومحدد ومن البداية؟ وهل عرفتم الآن مكمن الخلل في نظامنا الاقتصادي؟