تعتبر صناعة الأجهزة الكهربائية واللكترونية مقياسآ للتقدم والتطور في أي بلد من بلدان العالم ، فالدول التي تنتج أكبر عدد منم تلك الأجهزة وأكثرها تميزآ تحتل مكانة الصدارة على الخارطة العالمية للنمو والتنمية والفكر البشري، ويشكل ذلك جزءً هامآ من مقومات قوتها الناعمة ، اضافة الى ما يمثله ذلك من دفع ودعم تبادلي متواصل مع عمليات النمو والتحديث العلمي والتكنولوجي والتعلمي في هذه الدولة.
نمتلك في مصر بنية أساسية جيدة يمكن البناء عليها في مجال الصناعات الكهربائية والاجهزة المنزلية ، تراكمت هذه البنية على دار أكثر من خمسين عامآ ، وقد وجد مجال صناعة الأجهزة المنزلية الكهربائية والالكترونية دفعة ودعمآ كبيرآ في خلال العشرين سنة الماضية ، وقد ظهرت لدينا عديد من المصانع والشركات المصرية التي تعمل في هذه الصناعة ، وشرعت في تصدير منتجاتها الى كثير من دول العالم حتى الاوروبية منها .
وهو ما يثبت قدرة الصناعة المصرية على اثبات الذات وايجاد موطئ قدم لها في السوق العالمية ، مستغلة انفتاح السوق العالمية بشكل كبير ، والتوسع الافقي والرأسي في هذا المجال ، فمن ناحية التوسع الافقي فقد دخلت أسواق جديدة على المستوى العالمي في مجال الاستهلاك المتنامي للسلع المعمرة وهي التي تمثل الأسواق النامية وأسواق دول أوروبا الشرقية ، بالتوازي مع التوسع الرأسي العالمي المتمثل في زيادة حجم الاستهلاك الحدي على مستوى الأسر فأضحت كثير من الأسر تمتلك العديد من الاجهزة المنزلية والكهربائية بل وتقوم على احلال وتجديد دوري لهذه الأجهزة بالجديد منها ، حيث حدث ارتفاع عام في مستويات المعيشة العالمية عززه انخفاض ملموس في أسعار السلع المعمرة وخاصة الأجهزة المنزلية الكهربائية والالكترونية ، نتيجة انخفاض أسعار المدخلات والمواد الخام ، اضافة الى دخول أسواق تصدير جديدة متقدمة أثبتت نفسها في مجال الجودة والتنوع بما لا يدع مجالآ للشك وهي اغلبها قوى آسيوية ككوريا وفيتنام وأندونيسيا وماليزيا وتايلاند والصين والهند وتركيا والبرازيل والأرجنتين .
وهناك حقيقة هامة أقرب الى الفرصة الكبيرة ، لا بد أن تستفيد مصر وغيرها من القوى الوليدة في هذا المجال ، وهي حقيقة ان كثيرآ من الاجهزة الكهربائية والالكترونية قد وصلت فعلآ الى مراحل متقدمة للغاية من التطور تجعل معها من الصعوبة بمكان احداث نقلات أقرب الى الطفرات في مجال التطوير والتحديث كصناعة الثلاجات والغسالات والمكاوي وشاشات العرض وأجهزة الصوتيات والريسيفرات وساعات الحائط والمراوح والتكييفات وأجهزة الحاسب الشخصي والطابعات الشخصية والخلاطات والميكروويفات والكابلات الكهربائية المتخصصة (وان كانت مصر قد حققت فيها تقدمآ ملموسآ ) .
وبالتالي فان مجرد البدء مما انتهى اليه الآخرون سيدفعنا وفي غضون سنين قلائل وفي حال حل المشاكل والصعوبات المتعلقة بهذه الصناعة وتوافر الارادة الحقيقية ومستعينين بالتراكم المعرفي الذي حدث خلال سنين الصناعة التجميعية ، سيدفعنا كل ذلك الى تبوأ مكانة عالمية جيدة في هذا المجال وتحقيق الاكتفاء الذاتي والتصدير السلعي وحتى المعرفي في هذا المجال ، وهو بالتالي ما سيوفر كثيرآ من العملات الصعبة التي تنفق على العمليات الاستيرادية لهذه المنتجات ، وتحقيق الاكتفاء الذاتي وخفض الأسعار المحلية وحتى العالمية وبالتالي توسع وانتشار اكبر على كافة الأصعدة الداخلية والخارجية ، وزيادة موارد الدولة من الضرائب المتحصلة على عمليات التصنيع والبيع والتصدير (بالطبع في اطار المستويات اللازمة لدعم النمو والتطوير) ، وارتفاع كيفي في مستويا ت معيشة الشعب المصري الذي ستتزايد فيه بشكل كبير أعداد الأسر القادرة على امتلاك الأجهزة الكهربائية أو تجديدها مدفوعة بمزيد من الانخفاض في الأسعار .
هذا الى جانب المساهمة في حل مشكلة البطالة عبر افتتاح مزيد من المصانع العاملة في هذا المجال وتوسع القائم منها فعليآ وبالطبع فان التطور والتوسع الكبير في هذا الشأن سيدفع القوة الناعمة لمصر الى مستويا تأثيرية اعلى مستوى تتشارك فيها مع انتاجها الثقافي الذي من المتوقع أن يطرأ عليه نوع من القفزات الفكرية والاعلامية الفنية في اطار أجواء الحرية والديموقراطية التي تعيشها مصر ومزيد من الانفتاح الاعلامي الموضوعي في الفكر والصادق في الهدف .
فلم تعد السوق العالمية في هذا المجال حكرآ على القوى اليابانية والأوروبية والأمريكية التقليدية ، الا أن الصناعة المصرية تأخرت عن اللحاق بركب المنطلقين حديثآ ، حين اكتفت بدور الصناعة التجميعية لمكونات مستوردة من الخارج سواء كانت أوروبية أو آسيوية المنشأ ، وهو امر يمكن ايعازه لعد أمور :
أولآ : نقص الثقة بالنفس ووغياب الارادة والرغبة في امتلاك القدرة على التغيير والابداع على الرغم من امتلاك الكوادر اللازمة في كثير من المجالات ولكن دون أن تتاح لها الفرصة الكافية واللازمة للابداع والتطوير .
ثانيآ : تدهور مستويات التعليم الفني والصناعي والهندسي في مصر الى الدرجة التي أصبح الالتحاق بالتعليم العام الفني مدعاة للخجل ، على الرغم من الحاجة الماسة للكوادر الفنية المتخصصة لبناء نهضة صناعية راقية وحقيقية والتي لا تقوم الا على أكتاف هؤلاء ، الذين يمثلون رأس المال الحقيقي في دول كألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية وهم الذين بنوا هذه الول عقب انهيارها المدوي وتدميرها الكامل في الحرب العالمية الثانية ، الى حد دعا أحد الدبلوماسيين الألمان الى القول أنه خير فعلته فينا الولايات المتحدة الأمريكية عندما قامت بتفكيك الآلات والمعدات الالمانية ونقلها الى أمريكا ، لأنها مكنتنا وعبر مهندسينا وفنيينا وفي خلال خمسة عشر هامآ من بناء منظومة جديدة ومتكاملة كليآ ، وهو بالطبع الأمر الذي ما كلن ليحدث لولا توفر مستوى رفيع من التعليم الفني الصناعي وكوادر مؤهلة تعليميآ وفنيآ وتدريبيآ لتُنشد بعقولهم وسواعدهم تلك السيمفونية الرائعة من النمو والتنمية الاقتصادية والعلمية .
ثالثآ : انخفاض الى حد الانعدام لمخصصات البحث العلمي والتطوير التكنولوجي في ميزانيات الشركات والمؤسسات المتخصصة اضافة الى انخفاض ميزانية البحث العلمي في الموازنة الحكومية المصرية ، وهو بالطبع ما يجعل الشركات المصرية المتخصصة والعاملة في هذا المجال لا تقوم الا بدور الوكيل التجميعي للعديد من الأسماء العالمية أو في مرحلة اكثر تقدمآ تقوم باستيراد المكونات وتجميعها في مصر وتقديمها للمستهلك المحلي والعالمي تحت أسماء مصرية جديدة ، وهي ان كانت مرحلة نعول عليها لتكون أساسى خبراتيآ ومعرفيآ جيدى نحو الاستقلالية التامة لبناء صناعة ذاتية مستقلة تمامآ من الألف الى الياء ، فلا تكون تلك المرحلة التجميعية بشقيها التوكيلي أو التمصيري هي المنتهى ونهاية الطريق .
رابعآ : على الرغم من نمو حجم السوق المصري على المحورين الأفقي والرأسي مدفوعآ بالزيادة السكانية وارتفاع عام في المستويات المعيشية للأسر المصرية وانخفاض ملموس في أسعار الأجهزة الكهربائية والالكترونية ، الا أن هذا النمو ليس بالمستوى الكافي ولا بالعمق اللازم لاقامة بنية أساسية صناعية مستقلة تمامآ تستغني حتى عن المكونات الاستيرادية ، وهو ما يتطلب بالتالي العمل الفعلي والحثيث بعيدآ عن الخطب والمرويات التي عهدناها طيلة العقود الماضية دون جدوى وكانت احد أسباب ثوراتنا المصرية والعربية عمومآ ، لا بد من العمل على تحقيق احلام الأسواق العربية و الاسلامية والافريقية والأورومتوسطية المشتركة هذا اضافة الى تفعيل التعاون البناء والتواصل الجسري مع دول سوق الميركسور اللاتينية والتي تم توقيع اتفاقات التجارة الحرة معها ، وهو بالتالي ما سيدفع الى فتح الأسواق بشكل اعمق واكبر امام المنتجات والصناعات المصرية وهو ما تحتاجه أبجديات الصناعة المتكاملة والمعتمدة على ذاتها بشكل كامل أو حتى شبه كامل ، للاستفادة من قاعدة وفورات الحجم الكبير في بناء المخزونات السلعية من المواد الخام والمكونات الصناعية ، بما يمكن في النهاية من توفيرالسلع بسعر عملي مدروس ومناسب سواء في الأسواق المحلية او العالمية .
هذا بالاضافة بطبيعة الحال المعوقات الاجرائية والضرائبية والتي من المتوقع حل الكثير منها خلال الفترة المقبلة بدعم من حكومات مصرية رشيدة مقبلة تطبق مبادئ الحوكمة والشفافية ومكافحة الفساد الذي كان يمثل السبب الأساسي في اعاقة النمو الكمي والكيفي للصناعة المصرية الوطنية لصالح فئة من المنتفعين والمستغلين العاملين في مجالات الصناعة والاستيراد بالاتفاق مع رموز النظام البائد وهو ما ينطبق أيضى على المجال الزراعي والتجاري والسياحي والنقل والمواصلات فالفساد كان ضاربى في ربوع مصر كلها للأسف الشديد ، وبالتالي فانه بعد هذا البيان الموجز لمعوقات صناعة الأجهزة الكهربائية والالكترونية في مصر والتي تتشابه الى حد تام مع معوقات مختلف الصناعات الأخرى .
فانه تتضح منظومة الحلول الحياتية والأساسية لهذه الصناعة متمثلة في ضرورة تقديم الدعم العيني والاجرائي والمالي لهذه الصناعات ، وكذلك تطوير التعليم الفني في اطار منظومة اصلاحية تعليمية كلية ترفع من مستوى و أهمية التعليم الفني والالتحاق به خاصة وانه أحد الحلول المثلى لمعالجة مشكلة البطالة المتفاقمة ، واجبار الشركات على تخصيص ميزانيات معتبرة للبحث العلمي تصل الى ما لا يقل عن 15% من ميزانياتها ، اضافة الى جعل مسألة النمو والبحث العلمي والتعليمي والتكنولوجي مسألة حياة او موت بالنسبة لمصر عبر ضخ مزيد من الاموال في مجال البحث العلمي والتكنولوجي وهو الامر المتوقع حدوثه أيضآ في ظل أمرين ادراك الحكومة المصرية الاهمية الحياتية لهذا الموضوع ، اضافة الى ايقاف نزيف الأموال المهربة جراء الفساد الذي كان مستشريى في أركان النظام السابق مما كان يحرم العلماء والخبراء والمتخصصين من اموال ضخمة كان من الممكن تحويلها لحسابات خاصة بدعم البحث العلمي والتكنولوجي بدلآ من تحويلها لحسابات خاصة بالفاسدين في سويسرا وجزر الكيمن .
بالاضافة الى السير قدمآ في مجال تأسيس الأسواق الاقليمية المشتركة ، والتي بفضل من الله تعالى تنتمي مصر الى فضاءات اقليمية عديدة مشتركة وتستطيع مصر من موقعها الجيواستراتيجي أن تكون جسر وملتقى التواصل بين هذه الفضاءات والاسواق المشتركة ، وقد بدأت حكومة الثورة المصرية بالتعاون مع ما يعرف بالدبلوماسية الشعبية المتمثلة في عديد من الاحزاب والمثقفين والمفكرين المصريين ، بدأوا جميعهم مساعيهم في هذا الخصوص مبكرآ بزيارات واتفاقيات هامة مع دول حوض النيل والدول العربية ومحاولة اصلاح ما أفسده النظام السابق ، في اطار سعيها نحو عودة مصر الى مكانتها الطبيعية بل وأفضل مما كانت عليه في أفضل فترات مدها الحضاري والاستراتيجي لأنه مد شعبي ديموقراطي هادر .