انعكست الأوضاع المضطربة في مصر على السوق المالي السعودي بانخفاض حاد فاق 400 نقطة بجلسة واحدة إلا أن السوق عاد للارتفاع من اليوم الثاني للانخفاض وحتى الآن استعاد السوق جل خسائره وإن كان الحذر هو السائد في التداولات اليومية كون أحجام السيولة منخفضة مع ميل للتذبذب بشكل عام.
لكن أي قراءة لانعكاسات الأزمة الحالية على السوق لا بد أن تعيدنا لما مر على السوق المالي من مطبات عديدة ومراحل صعبة منذ أكثر من عشرين عاماً بدءاً من احتلال دولة الكويت الشقيقة عام 1990 إلى حرب تحريرها ومن ثم جاءت أحداث سبتمبر 2001 في أمريكا ثم الحرب الأمريكية ضد العراق 2003 ليأتي بعدها تصحيح الأسعار الذي جاء في فبراير 2006 بعد موجة ارتفاعات كبيرة استمرت قرابة ثلاث سنوات ثم جاءت الحرب الإسرائيلية على لبنان بذات العام وبعدها جاءت الأزمة المالية العالمية الأشد قسوة على السوق في العام 2008 واليوم تأتي الأزمة في مصر لتشكل أحد المراحل والمحطات التي تسجل بتاريخ السوق كأزمة بمعزل عن تأثيراتها ووزنها.
لكن كل هذه المحطات أكسبت السوق المالي خبرة واسعة في تأثير الأزمات عليه وكذلك في تحديد عناصر القوة التي يمتلكها وكذلك بواطن الضعف التي تحتاج إلى إصلاح أو تطوير، فبعد كل محطة مما ذكر كان السوق يعيد ترتيب أوراقه من جديد ويعود إلى أساسياته التي ترتكز على عوامل قوية متعددة بدءا من قوة الاقتصاد السعودي وتأثيره على مجمل مكونات السوق إلى تفاصيل القطاعات والشركات المكونة له من حيث حجمها وقوتها المالية والتشغيلية سواء المرتبطة بالاقتصاد السعودي بشكل مباشر أو تلك المرتبطة بالاقتصاد العالمي.
وفي كل هذه الصورة الكبيرة التي تعكس عناصر القوة بالسوق المالية فإن الإطار العام الذي يعطيها كل هذا الأمان هو الاستقرار السياسي والأمن الكبير بفضل الله الذي تتمتع به المملكة ولله الحمد وهو الركيزة الأساسية التي تعطي الاقتصاد السعودي وسوقه المالي هذه الصورة الإيجابية الكبيرة.
ولذلك فإن كل تأثير خارجي يأتي من تلك الأزمات بمختلف أنواعها لم تغير من واقع القراءة الإيجابية لمستقبل الاقتصاد السعودي والاستثمار بشركاته وقطاعاته الحيوية بل أصبحت مثل هذه الاهتزازات التي تحدث بالسوق عامل جذب إضافي للاستثمار الطويل الأجل تحديداً بينما تبقى التأثيرات السلبية على حركة السوق في المدى القصير فقط وهي حركة تهم المضاربين بشكل أساسي.
لقد حقق السوق المالي السعودي قفزة كبيرة بأرباحه في العام المنتهي 2010 فاقت 35% عند 78مليار ريال مقارنة بالعام الذي سبقه ومن المتوقع أن تقفز هذا العام بحوالي 20% مما يعني أن هناك فرصا متجددة في السوق هذا بخلاف المشاريع التي تأسست شركات ضخمة لأجلها وتعد محورية بالمرحلة القادمة في الاقتصاد السعودي وتطوراته الإيجابية.
إن جهاز المناعة في جسد السوق المالي يمر بمراحل اختبار جديدة ويثبت دائما بأنه يكتسب قوة إضافية وخبرة جديدة للمتداول بالسوق للتعاطي مع المؤثرات التي يتعرض لها باستمرار بمعزل عن الاتجاهات المتذبذبة التي يعيشها السوق حاليا إلا أن المستثمر يبحث في ظل كل هذا عن الفرص على المدى المتوسط والطويل ويتحين الفرصة لاقتنصاها والصبر لسنوات حتى تثمر نتائجها في ما يصب بصالح تحقيق أهدافه الاستثمارية لسنوات قادمة بعيدا عن كل ما يؤثر على حركة الأسواق بالمدى القصير والتي لا تعطي انطباعا عن التوجه البعيد لمستقبل السوق ومكوناته.