يمكن وصف الجانب الاقتصادي من الخطاب السنوي لحضرة صاحب السمو الأمير في مجلس الشورى بأنه بيان للأمة عن إنجازات حكومته في سنة قد مضت، وتحديداً لملامح السياسات وبرامج العمل الاقتصادي في السنة التالية. وفي حين أسهب سموه في الحديث عن إنجازات عام 2010 والأعوام السابقة، فإن حديثه عن المستقبل الاقتصادي للبلاد قد تركز على بعض النقاط أهمها الإعلان عن انتهاء الحكومة من إعداد الإستراتيجية الشاملة للتنمية الوطنية للفترة 2011-2016، والإفصاح عن التوجهات الحكومية فيما يتعلق بمسألة التضخم. ويعتبر نص الخطاب وثيقة هامة من وثائق مجلس الشورى، ويتم الاستناد إليه من جانب الوزارات المعنية أو من جانب أعضاء المجلس عند النظر في رسم السياسات ووضع مشروعات القوانين أو اعتماد البرامج، كما تكون مادة الخطاب مصدر معلومات هامة لكافة شرائح المجتمع، ويتم من خلالها فهم ما جرى في السابق، والتعرف على ما يجرى في الحاضر أو ما يمكن توقعه في المستقبل. ويهمني في هذه القراءة المتأنية للمضامين الاقتصادية لخطاب العرش أن أضع أمام القارئ خلاصة لأهم ما ورد في الخطاب من معلومات:
أولاً فيما يتعلق بإنجازات الحكومة الاقتصادية: أبرز سموه في هذا الجانب ما حققه الاقتصاد القطري من نمو بمعدلات مرتفعة رغم ظروف الأزمة المالية العالمية، وأشار على وجه الخصوص إلى ما يلي:
1- أن الاقتصاد القطري تمكن في عام 2009 من تجاوز تداعيات الأزمة المالية العالمية، حيث نما بمعدل حقيقي بلغ 5ر18 %، وتقدم ترتيب قطر على مقياس القدرة التنافسية العالمية من المرتبة 22 في عام 2009/2010 إلى المرتبة السابعة عشرة في عام 2010/2011. كما استطاعت الحكومة خلال الأزمة العالمية، أن ترفع مستوى تصنيفها الائتماني.
2- أن الموازنة العامة للدولة قد حققت منذ عام 2000 فوائض مالية متصاعدة، ستصل –حسب المقدر في موازنة العام الجاري- إلى 9.7 مليار ريال، وإن كانت الأرقام الفعلية أكبر من ذلك بكثير باعتبار أن سعر برميل النفط قد تجاوز السعر التأشيري للموازنة في أغلب فترات السنة بما يتراوح ما بين 18-30 دولار للبرميل.
3- نجاح الدولة في تنويع مصادر الدخل بحيث ارتفعت حصة الإيرادات غير البترولية، في الدخل من 39 % من إجمالي الإيرادات الفعلية سنة 2000 إلى 52 % سنة 2009، في الوقت نفسه الذي زاد فيه الإنفاق على المشروعات الرئيسية من 10 % من إجمالي المصروفات الفعلية سنة 2000 إلى 39 % سنة 2009، وارتفع الإنفاق على المشروعات العامة في موازنة العام الجاري بنسبة 15%، مع زيادة إجمالي الإنفاق بنسبة 25 % عن موازنة العام المالي السابق.
4- أن الحكومة قد عملت من خلال جهاز قطر للاستثمار، على الاستحواذ على العديد من الأصول في الشركات العالمية، وكان أحد المسئولين في شركة الديار القطرية قد صرح مؤخراً بأن إجمالي الاستثمارات داخل قطر وخارجها قد بلغ نحو 80 مليار دولار.
5- عملت الحكومة خلال فترة الأزمة العالمية على تعزيز السيولة في النظام المصرفي، وتوسيع قاعدة المستثمرين، مما ساعد على استقرار النظام المصرفي، ودعم القطاع الخاص، ومن ثم عبور هذه الأزمة بسلام. وقد قصد سموه بذلك دخول جهاز قطر للاستثمار كشريك في رؤوس أموال بعض البنوك الوطنية، وشراء الحكومة لمحفظتي الأسهم والقروض العقارية من البنوك بما مجموعه 21 مليار ريال.
ثانياً فيما يتعلق بالخطط المستقبلية: أشار حضرة صاحب السمو الأمير إلى انتهاء الحكومة من إعداد الإستراتيجية الشاملة للتنمية الوطنية للفترة 2011 - 2016، التي تغطي الركائز الأربع لرؤية قطر الوطنية. وتعكس تلك الإستراتيجية حرص الدولة على تطوير البنية التحتية الاقتصادية وتوسيع دائرة الإنتاج وتحقيق التنوع الاقتصادي وتأمين حسن إدارة الموارد الاقتصادية والمالية وحماية البيئة، والتنمية البشرية. وكانت الحكومة قد بدأت منذ أربع سنوات في التفكير جدياً في ملامح المرحلة التي تلي الانتهاء من تنفيذ مشروعات الغاز الضخمة، أي اعتباراً من عام 2011، وتمخضت جهود الحكومة عن بلورة ما عرف منذ عام 2008 برؤية قطر الوطنية. وقد حددت الرؤية أهدافها بالعمل على تحويل قطر بحلول عام 2030 إلى دولة متقدمة قادرة على تحقيق التنمية المستدامة وعلى تأمين استمرار العيش الكريم لشعبها جيلا بعد جيل. كما توفر الرؤية إطارا عاما لتطوير الإستراتيجية الوطنية الشاملة وخطط تنفيذها، وهي تعالج خمسة تحديات تواجه دولة قطر هي: التحديث والمحافظة على التقاليد - احتياجات الجيل الحالي واحتياجات الأجيال القادمة - النمو المستهدف والتوسع غير المنضبط - مسار التنمية وحجم ونوعية العمالة الوافدة المستهدفة - التنمية الاقتصادية والاجتماعية وحماية البيئة وتنميتها.
وتستشرف الرؤية الوطنية الآفاق التنموية من خلال الركائز الأربع التالية: • التنمية البشرية التي تسعى لتطوير وتنمية سكان دولة قطر ليتمكنوا من بناء مجتمع مزدهر.
• التنمية الاجتماعية وتسعى لتطوير مجتمع عادل وآمن مستند إلى الأخلاق الحميدة والرعاية الاجتماعية وقادر على التعامل والتفاعل مع المجتمعات الأخرى ولعب دور هام في الشراكة العالمية من أجل التنمية.
• التنمية الاقتصادية وتهدف إلى تطوير اقتصاد وطني متنوع وتنافسي قادر على تلبية احتياجات مواطني قطر في الوقت الحاضر وفي المستقبل وتأمين مستوى معيشي مرتفع.
• التنمية البيئية من خلال إدارة البيئة بشكل يضمن الانسجام والتناسق بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية وحماية البيئة.
وفي موضوع آخر أعلن حضرة صاحب السمو الأمير عن عزم الحكومة على الاستمرار في اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للسيطرة على التضخم والإبقاء عليه في الحدود المقبولة وتعزيز الاستقرار في القطاع المالي، وترشيد الإنفاق دون الإخلال بالمتطلبات الأساسية للتنمية. ويتضح من هذا الجزء في الخطاب أن الحكومة عازمة على ضبط التضخم بحيث يظل في الحدود المقبولة وهو ما يتراوح ما بين 2-3% سنوياً علماً أنه لا يزال دون الصفر في عام 2010، وتكون السيطرة على التضخم من خلال عدة آليات أهمها ضبط لتوسع في المشروعات الداخلية ومن ثم ضبط النمو الاقتصادي، ومراقبة أسعار السلع لمنع حدوث تجاوزات من جانب التجار أو حدوث اختناقات في جانبي العرض والطلب.
كما أشار صاحب السمو إلى اهتمام الحكومة باستكمال إعادة هيكلة وتطوير الأجهزة والأسواق المالية، ووضع الأطر التنظيمية والتشريعية المنظمة للنشاط الاقتصادي والمؤثرة فيه، ومنها قانون المعاملات والتجارة الإلكترونية، والبدء في اتخاذ الخطوات اللازمة لاستحداث جهاز قطر لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وكل ذلك يعمل في النهاية على تحقيق المزيد من التقدم في ترتيب قطر في التصنيف الدولي للتنافسية العالمية.
وأرجو أن أكون في النهاية قد لخصت للقارئ أهم ما تضمنه خطاب سمو الأمير من مضامين اقتصادية هي في النهاية انعكاس لواقع مشرق تعيشه قطر ومستقبل واعد تحلم به الأجيال.
أستاذ بشير ، أنا من المتابعين الدائمين لمقالاتكم القيمة جداً ، من الواضح أنه يوجد لديكم معرفة واسعة بالسوق القطري ولديكم مقدرة إبداعية على التحليل المنطقي الصحيح في المجالات المالية والإقتصادية ، أتمنى لكم التوفيق والنجاح.
وبالمناسبة لقد قام مركز الدراسات والأبحاث لدى شركة إمباور للإستشارات الإدارية ، وهي شركة قطرية ذات مسؤولية محدودة متخصصة بالإستشارات والدراسات الإدارية ، بإنجاز دراسة مرجعية شاملة وموسعة عن العوامل الفعلية التي توفر المناخ الإيجابي الحقيقي للإستثمار والأعمال في دولة قطر وتقديم معلومات موثقة ومدعمة بالتقارير الدولية والحقائق والأرقام عن المجالات التجارية والإقتصادية والتي تؤكد وجود فعلي وحقيقي للبيئة المحلية الجاذبة للإستثمار الأجنبي المباشر والتي تضمن نجاحه وإستمراريته على المدى المتوسط والبعيد ، بما في ذلك وجود مؤشرات ملحوظة وهامة عن التغيير السريع والتطور المبهر في كافة المجالات الإقتصادية والإجتماعية والعلمية. للمزيد من المعلومات يمكنكم زيارة مدونتي الشخصية صفحة يوليو 2010: http://mjsamman.wordpress.com