كتبت هذا العام عدة مقالات عن وضع التضخم في قطر وما آل إليه الحال حتى صيف هذا العام عندما كان المعدل لا يزال سالباً بنسبة 3%، مقارنة بما كان عليه في صيف العام الماضي. وقد كان واضحاً فيما كتبت أن معظم مكونات الرقم القياسي لأسعار المستهلك قد عادت إلى وضعها الطبيعي من حيث أنها أصبحت فوق مستوياتها التي كانت عليها قبل عام، وأنها باتت ترتفع أو تنخفض بمعدلات محدودة ما بين شهر وآخر، باستثناء الرقم القياسي لبند الإيجار والوقود والطاقة الذي لا يزال في مرحلة تراجع. فهل تغيرت الصورة مع نهاية الربع الثالث في سبتمبر الماضي، وهل دخلت معطيات جديدة على العوامل التي تؤثر على اتجاهات الأسعار، أم أن الأمور لا زالت تراوح مكانها؟
لقد صدرت مع نهاية الأسبوع الماضي عن جهاز الإحصاء، بيانات الرقم القياسي للأسعار لشهر سبتمبر وبيانات الربع الثالث من العام وقد تبين منها أن المعدل لا يزال سالباً-وإن ارتفع بشكل ملحوظ عن الفترات السابقة- فهو في سبتمبر -0.93% (عما كان عليه في سبتمبر من عام 2009)، مقارنة بـ -2% في شهر أغسطس الماضي. وبالنسبة للمعدل الفصلي نجد أنه قد ارتفع في الربع الثالث من العام إلى -2% مقارنة بـ -3.1% في الربع الثاني. هذا التحسن في معدل التضخم قد جاء كمحصلة لارتفاع مكونات كل بنود سلة السلع والخدمات التي يتكون منها الرقم القياسي العام للسلع والخدمات باستثناء بند الإيجار والطاقة. فقد تراجع الرقم الخاص بهذا البند بنسبة -11.7% عما كان عليه في سبتمبر من العام 2009، في الوقت الذي ارتفعت فيه بقية البنود في نفس الفترة بنسب بلغت 2.5% للغذاء والمشروبات، و 2.7% للملابس والأحذية، و 4.3% للنقل والاتصالات، و 4.5% للعناية الطبية، و 4.6% للأثاث والمنسوجات والأجهزة المنزلية، و 5.3% للسلع المتفرقة، و 6% لخدمات التسلية والترفيه والثقافة. ولأن مكون الإيجار والطاقة يشكل 32% من أوزان السلة، لذا كانت الغلبة النهائية له على بقية البنود فانخفض الرقم القياسي العام بنسبة -0.93%.
وقد لوحظ أن بند الإيجار قد توقف عن التراجع في شهر سبتمبر إذا ما قورن بالشهر السابق له –أي أغسطس- مع ارتفاع مكون الغذاء بنسبة 1.5% ومكون الملابس بنسبة 0.3% والسلع المتفرقة بنسبة 0.3%، مع عدم تغير الرقم الخاص بالأثاث والعناية الطبية، وتراجع كل من مكون النقل والاتصالات، ومكون التسلية والترفيه بنسبة -0.8%. هذا التطور على المستوى الشهري يحمل في طياته احتمالات تحول معدل التضخم إلى رقم موجب في شهري أكتوبر أو نوفمبر. ومما ساعد على حدوث هذا التطور أن السياسة النقدية لمصرف قطر المركزي قد طرأ عليها بعض التحول منذ بداية أغسطس الماضي في اتجاه تعزيز السيولة لدى الجهاز المصرفي، كما تراجع سعر صرف الدولار أمام الين واليورو، وهو ما انعكس سلباً على أسعار بعض السلع المستوردة، وزاد النشاط في بورصة قطر وخاصة ما يتعلق بأحجام التداولات اليومية، ومستويات أسعار الأسهم . كما كان لانتهاء موسم الإجازات وارتفاع عدد السكان ثانية أثره في زيادة الطلب الاستهلاكي على السلع والخدمات فارتفعت أسعارها على النحو الذي أشرنا إليه.
كما لوحظ أن اقتراب حسم موضوع ملف مونديال 2022، وارتفاع حظوظ دولة قطر في الفوز به قد ساهم في الفترة الأخيرة في حدوث نشاط في أحجام التداولات العقارية، وفي أسعار العقارات، وهو ما ساهم في توقف بند الإيجارات عن التراجع على المستوى الشهري ما بين سبتمبر وأغسطس.
كما لا يفوتني أن أشير إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للقطاعات غير النفطية قد تحولت في الربع الثاني من العام إلى تحقيق نمو موجب لأول مرة منذ قرابة العامين، وهو ما يشير إلا أن الأرقام ربما كانت موجبة في الربع الثالث أيضاً وهو ما يفسر أيضاً تقلص معدل التضخم في المنطقة السالبة واقترابه من المنطقة الموجبة التي سيصلها غالباً خلال الربع الرابع. على أن هذا التحول سيكون من نصيب الربع الأخير من عام 2010 و للفترات التالية في عام 2011، ولكن المعدل المتوسط لعام 2010 سيظل سالباً باعتبار أنه ظل كذلك طيلة الشهور التسعة أو العشرة الأولى من العام.