الارتفاع في عرض النقد يُنبئ إلى تحول قادم في معدل التضخم(2-2)

30/08/2010 1
بشير يوسف الكحلوت

أشرت في الجزء الأول من هذا المقال إلى أن عرض النقد الواسع قد ارتفع في الربع الأول من العام الحالي بنسبة 35.1% عن مارس 2009 ليصل إلى مستوى 242.4 مليار ريال، بعد أن كان قد تقلص في السنة السابقة إلى 2% فقط، وذلك في الوقت الذي كان معدل التضخم  لا يزال في المنطقة السالبة بنسبة 4.4%على معدل سنوي. وقد أشرت في تفسير هذا التناقض إلى أنه رغم العلاقة الوثيقة بين معدل التضخم ومعدل نمو عرض النقد الواسع م2، إلا أن هناك فاصل زمني يحكم العلاقة بينهما بحيث أن الزيادة الكبيرة في عرض النقد تتطلب مرور بعض الوقت حتى ينتقل التأثير من الأول إلى الثاني. وعليه فإن النمو المفاجئ في عرض النقد في مارس 2010 يُعطينا إشارة واضحة إلى أن معدل التضخم لا بد أن يستجيب في وقت لاحق لهذا التغير وأن يتحول إلى معدل موجب. وأشرت إلى أنه سيكون للتغير الذي طرأ على السياستين المالية والنقدية في الأسابيع الأخيرة تأثيره في تعزيز فرص حدوث هذا التحول.

على أن تفحص التطور الذي لحق بمكونات عرض النقد يمكن أن يُعطي تفسيراً إضافياً لبقاء معدل التضخم سالباً بينما عرض النقد الواسع ينمو بنسبة 35.1% على معدل سنوي. فالمعروف أن عرض النقد الواسع يتكون من عرض النقد الضيق م1 وشبه النقد، والأول عبارة عن النقد المتداول لدى الجمهور، والحسابات الجارية أو تحت الطلب، بينما شبه النقد هو الودائع لأجل وللتوفير بالريال القطري، والودائع بالعملات الأجنبية. والقسم الأول من هذه المكونات أي عرض النقد الضيق م1 هو الأكثر ارتباطاً بمعدل التضخم باعتبار أنه يمثل النقود المتاحة لدى الجمهور للإنفاق وبالتالي له ناثير مباشر على مستويات الأسعار، بينما العلاقة مع شبه النقد أقل ارتباطاً باعتبار أن الزيادة في أرصدة هذه الحسابات يمثل ميلاً نحو الإدخار وعدم الإنفاق في الأجل القصير على الأقل.

ولقد نما عرض النقد الضيق في السنة المنتهية في مارس 2010 بنسبة 15.1% فقط بعد تراجع بنسبة (7.1) في سنة سابقة، ونمو بمعدل 78.2% في السنة المنتهية في مارس 2008، ونمو بمعدل يتراوح ما بين 31.6% إلى 43.5% في السنوات الثلاث السابقة  2005-2007.أي أن النمو في الأموال المتاحة للأنفاق كان محدوداً مقارنة بمستوياته فى السنوات السابقة حتى 2008.

وفي المقابل فإن شبه النقد قد نما في السنة المنتهية في مارس 2010 بنسبة 43.9% بعد نمو بنسبة 6.6% قبل سنة، وبنسبة 100.4% في السنة المنتهية في مارس 2008.  وقد نمت الودائع لأجل وللتوفير بوجه خاص في مارس 2010 بنسبة 57.9% على معدل سنوي مقارنة بـنمو بمعدل 27.8% في السنة السابقة. وذلك يشير بوضوح إلى أن الودائع لأجل تنمو في أوقات الإنكماش والتراجع الاقتصادي حيث يزداد الطلب على الإدخار.

وعليه يمكن أن نفهم دواعي الخطوة المزدوجة التي قامت بها الحكومة مؤخراً من خلال وزارة المالية ومصرف قطر المركزي والتي تمثلت في ضخ مبالغ كبيرة للجمهور من ناحية وخفض سعر فائدة الإيداع لدى المركزي من ناحية أخرى، على أنها  لزيادة عرض النقد- والضيق منه بوجه خاص- بما يساعد على توفير السيولة لدى الجمهور وبما يعمل على تنشيط الاقتصاد، ومن ثم يخرج معدل التضخم  من المنطقة السالبة التي انزلق إليها منذ بداية عام 2009.

على أن استجابة الجمهور-أفراداً وشركات- لمحفزات السياستين المالية والنقدية،  لايتوقف فقط على ما تقدمه تلك السياسات من محفزات وإنما أيضاً على قناعة الجمهور بأن الظروف باتت مواتية للاستثمار. فالإقدام على تنفيذ مشروع لبناء عمارة بغرض التأجير لا يتوقف فقط على توفر السيولة اللازمة،  وإنما على وجود فرص مؤكدة للتأجير وبأسعار مغرية، وبالمثل فإن الاستثمار في البورصة لا يتوقف على توفر السيولة فقط وإنما بوجود أمل في حدوث ارتفاع في الأسعار والمؤشر بعد فترة زمنية معينة لا تقل عما توفره الودائع المصرفية من عائد محدود.