الارتفاع في عرض النقد يُنبئ عن تحول قادم في معدل التضخم

29/08/2010 2
بشير يوسف الكحلوت

استرعى انتباهي مؤخراً ما ورد في النشرة الفصلية لمصرف قطر المركزي -مارس 2010- من أن عرض النقد الواسع م2 قد ارتفع في ذلك الشهر بنسبة 35.1% عن مارس 2009 ليصل إلى مستوى 242.4 مليار ريال. الجدير بالذكر أن نمو عرض النقد في السنة السابقة –أي ما بين مارس 2009 و مارس 2008- كان قد تقلص إلى 2% فقط، إبان تأثر الاقتصاد القطري بالأزمة المالية العالمية.

وللمقارنة أيضاً فإن معدلات النمو لعرض النقد في السنوات السابقة كانت على التوالي 92.3%، 27.8%، 42.9، 30.2% لكل من مارس 2008، مارس 2007، مارس 2006، مارس 2005 على التوالي. ولأن هناك علاقة وثيقة بين معدل نمو عرض النقد م2-واتجاهه- وبين معدل التضخم، ولأن معدل  التضخم كان في مارس 2010 لا يزال سالباً بنسبة 4.4%-على معدل سنوي، فقد كان مستغرباً-لأول وهلة- أن يكون عرض النقد الواسع م2 قد حقق نمواً  بمعدل مرتفع نسبته 35.1%، في الوقت الذي كان فيه معدل التضخم سالباً.

ومؤدى الأرقام الواردة أعلاه أنه في السنوات السابقة حتى عام 2008  التي نما فيها عرض النقد بمعدلات مرتفعة  بلغت ذروتها أي 92.3%في مارس 2008، فإن معدل التضخم قد تسارع في نموه هو الآخر بحيث وصل إلى 14.8% في الربع الأول من العام 2008، ثم إلى 17% في الربع الثاني من ذلك العام. وعندما تقلص نمو عرض النقد في السنة التالية –أي حتى مارس 2009- إلى 2% فقط، فإن معدل التضخم انكمش إلى 1.4%، وكان ذلك أمراً منطقياً ومتوقعاً. أما أن ينمو عرض النقد في السنة التالية حتى مارس 2010 بنسبة 35.1%، ويظل معدل التضخم سالباً بنسبة 4.4% فذلك أمر قد يحتاج إلى تفسير؟

وفي الإجابة على التساؤل المطروح أشير إلى أنه رغم العلاقة الوثيقة بين معدل التضخم ومعدل نمو عرض النقد الواسع م2، إلا أن هناك فاصل زمني يحكم العلاقة بينهما بحيث أن الزيادة الكبيرة في عرض النقد تتطلب مرور بعض الوقت حتى ينتقل التأثير من الأول إلى الثاني. وعليه فإن النمو المفاجئ في عرض النقد في مارس 2010 يُعطينا إشارة واضحة إلى أن معدل التضخم لا بد أن يستجيب في وقت لاحق لهذا التغير وأن يتحول إلى معدل موجب، ولكن السؤال التالي يصبح متى يحدث ذلك؟

لقد سبق أن بحثت في هذه المسألة في مقال آخر –  وذلك بمعزل عن التغير في عرض النقد الواسع- فوجدت أن معدل التغير (السنوي) في أسعار بند الإيجار سيظل سالباً في الربع الثالث من العام  بنحو 14%، وهو ما سُيبقي معدل التضخم سالباً خلال الفترة الحالية، وذلك باعتبار أن الارتفاعات في أسعار بقية البنود ستكون-بعد ترجيحها بأوزانها- أقل من الانخفاض في بند الإيجار. على أن الموقف سوف يتغير حتماً اعتباراً من الربع الرابع من العام  الحالي بحيث قد تزيد الارتفاعات في البنود الأخرى عن الانخفاض في بند الإيجار فيتحول معدل التضخم إلى موجب وإن بمعدل بسيط، وإن كان المعدل لعام 2010 سيظل سالباً، باعتبار أنه ظل كذلك معظم فترات السنة.

ولا شك أنه سيكون للتغير الذي طرأ على السياستين المالية والنقدية في الأسابيع الأخيرة تأثير واضح على هذا التحول، حيث أدى ضخ مليارات الريالات للجمهور في صورة تعويضات عن استملاكات عقارية نفذتها الحكومة تأثر واضح في زيادة الودائع، ومن ثم سيواصل عرض النقد ارتفاعه في الشهور القادمة ربما بنفس الوتيرة أي 35.1%. كما سيساعد قرار السلطة النقدية بخفض سعر صرف فائدة إيداع البنوك لدى مصرف قطر المركزي بواقع نصف نقطة مئوية إلى 1.5% على تشجيع البنوك على التوسع في الائتمان، وتشجيع أصحاب الودائع على البحث عن فرص استثمارية أخرى، فينشط الاقتصاد –القطاع الخاص- ويزداد عرض النقد، ويخرج معدل التضخم من المنطقة السالبة.

ولكن هل يترتب على النمو في عرض النقد تسارع في معدل التضخم فيخرج من عقاله من جديد؟  والجواب بالنفي إذا ظل النمو في عرض النقد الواسع بما لا يزيد عن مستوياته التي وصلها في الربع الأول-أي في حدود 35%- وذلك ممكن من خلال التحكم في أدوات السياستين المالية والنقدية. كما أن فائض المعروض من الوحدات السكنية سيُبقي الإيجارات تحت السيطرة، وستعمل السياسة الحكومية التي تنفذها وزارة الأعمال والتجارة على ضبط الزيادة في أسعار المواد الاستهلاكية، ومؤدى ذلك كله أن يتحول معدل التضخم إلى رقم  موجب، ولكن في حدود المعقول، أي بما يتراوح ما بين 1-3% في عام 2011.