أعيد نظام الرهن العقاري مجددًا إلى مجلس الشورى وفق بيان أوضح أن هناك تباينًا حول العديد من النقاط بين المجلس وهيئة الخبراء بمجلس الوزراء، ومن المهم فعلاً أن يتم التوصل إلى أفضل الصيغ التي ستنعكس على واقع قطاع الإسكان بالإيجاب، حيث إن ما يجري العمل عليه هو مجموعة أنظمة تتعلق بالتمويل يندرج تحتها نظام الرهن والتمويل ومراقبة شركاته والإيجار التمويلي.
ومن المهم القول: إن هذه الحزمة من القوانين والأنظمة ليست بالأمر اليسير التوصل لصيغ متكاملة تحقق الفائدة المرجوة على مستوى الفرد والاقتصاد بشكل عام وتتدارك أي سلبيات قد تنعكس على الأطراف ذات العلاقة خصوصًا أن العالم ما زال يتجرع مرارة أزمة الرهن العقاري التي عصفت بالنظام المالي دوليًا وأدخلته في أزمة خانقة مازالت جاثمة على صدره.
وبالتالي فإن المهمة صعبة وتتطلب جهدًا ذهنيًا كبيرًا وتوظيف كل التجارب والخبرات التي سبقتنا وما اعتراها من نقاط ضعف لتداركها في النظام الذي يتم العمل على إصداره لدينا ولكن أيضًا هناك عامل الوقت، فمع كل هذا التدقيق إلا أن مرور وقت طويل من البحث والنقاش والدراسة امتد لأعوام له ثمنٌ كبيرٌ على حساب الاقتصاد بكل جوانبه الكلية والجزئية، ففي صيف العام الماضي أعلن أن مجلس الشورى أنهى كل النقاشات والتعديلات حول الأنظمة المتعلقة بقطاع التمويل السكني التي عرفت مجازًا بنظام الرهن، وتم إحالتها لمقام مجلس الوزراء، وتوقع بعدها العديد من المسؤولين ولأكثر من مرة أن يكون صدور النظام بوقت قريب، وكان آخرها أنه قد يكون قبل نهاية النصف الأول من العام الحالي وبمعزل عن هذه التوقعات التي صدرت من عدة أطراف رسمية إلا أن إعادة دراسة نقاط الخلاف أو التباين كما تسمى رسميًا، وكأنه يعيدنا إلى المربع الأول بنظر المواطن.
ومشكلة السكن أصبحت لها أضرارٌ كبيرةٌ، فهي تلعب الدور الرئيس في سلة التضخم، ويعيش السوق التأجيري لدينا حالة من العشوائية بتقدير أسعار الإيجارات، ويأتي رفعها من بنات أفكار الملاك وليس بحسب عوامل القياس الطبيعية للسوق حتى إن تقديرات ضخ الاستثمارات في مجال التأجير ليست دقيقة، فاليوم يتم وضع الجدوى الاقتصادية لأي مشروع بناءً على واقع السوق الحالي دون الأخذ بالحسبان ما هي تأثيرات أنظمة التمويل على تغيير اتجاهات السوق نحو التملك وفي فترة قد يكون التأثير سريعًا فيها على من يستثمرون أموالهم في مشاريع مخصصة للتأجير، فسيتغير حجم الإيرادات عمّا هو مقدر من قبلهم.
كما أن تأخير صدور النظام سيربك المستثمرين الذين أسسوا شركات متخصصة بالتمويل وينتظرون صدور النظام لكي يباشروا ممارسة أعمالهم أصولاً، فهناك مثال حي يتمثل في شركات التأمين التي قامت بتأسيس كياناتها قبل صدور النظام الخاص بنشاطها وتكبد بعضها تكاليف تشغيلية أثرت على رأس مالها مما دعاها إلى رفع رساميلها مجددًا لتغطية الخسائر السابقة وقد تتعرض شركات التمويل الخاصة بالإسكان لنفس الإشكالية مستقبلاً، وهذا بدوره لن يشجع أي طرف على تأسيس كيانات تمويلية أو الدخول بالسوق لمن هو قادر على ذلك الآن إذا تأخرت الأنظمة أكثر من المتوقع، فرأس المال لن يقف متفرجًا، بل سيتجه إلى فرص أخرى محلية أو دولية خصوصًا أن هذا النوع من التمويل يحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة لا يمكن تجميدها لفترات طويلة.
والأهم في المعادلة هو المواطن الذي ينتظر حل مشكلة تأمين السكن له منذ فترة طويلة ويرى في القوانين المنتظرة بارقة أمل ومنعطفًا مهمًا لتحقيق حلمه المشروع، فالسنوات الإضافية التي يقضيها مستأجرًا هي خسارة لا يمكن تعويضها خصوصًا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن لعمر العميل دورًا كبيرًا في معادلة التمويل الذي يأمل الحصول عليه، فكلّما تقدم به السن انخفضت قيمة التمويل، حيث إن القياس يعتمد على فرق السنوات بين عمر العميل وما تبقى له للوصول إلى عمر 60 سنة، وبالتالي تقل فرصه في الحصول على مسكن أفضل، قطاع الإسكان في المملكة يُعدُّ أكثر القطاعات المرشحة لتحقيق معدلات نمو عالية في المنطقة وحجم الأموال المتوقع ضخها فيه تفوق تريليون ريال خلال السنوات العشر القادمة لبناء قرابة مليون ونصف المليون وحدة سكنية تتعطش لها مئات الآلاف من الأسر في مجتمع فتي بامتياز يحقق معدلات نمو سكاني مرتفعة، بيد أن تأخير تنظيمه أصبح يشكل قلقًا للمستفيدين مما قد يربك قراراتهم للحصول على تمويل بتكاليف مرتفعة وشروط صعبة لتأمين منزل العمر،فهم يأملون ألا يطول ماراثون صدور النظام ويخشون أن يحاكي مسرحية الايرلندي بيكت (في انتظار غودو) البطل الذي لم يأتِ بعد.
وسع صدرك!!!