يوم الخميس الماضي، وبمناسبة مناقشة مشروع قانون بشأن ربط ميزانية بنك الكويت المركزي للسنة المالية 2010/2011، وجد ممثل المركزي نفسه في قاعة عبدالله سالم الصباح أمام سهام انتقادات ممثلي الأمة.
وتناولت هذه الانتقادات مواضيع مختلفة منها شبهة التجاوزات المالية في عملية بناء مقر البنك الجديد، والتي أشار إليها ديوان المحاسبة في تقرير أخير، وكذلك عدم توظيف عدد كاف من الكويتيين.
وفي حين وجه بعض النواب أصابع الاتهام إلى "المركزي" محملّين إياه مسؤولية تفاقم أزمة القروض الاستهلاكية والمقسطة لدى المواطنين، أطلق البعض الآخر وابل من الانتقادات لجودة رقابة البنك نفسه، خصوصا على شركات الاستثمار، معتبرا أنها ضعيفة والتعليمات بشأنها غير واضحة.
ومن هذه الانتقادات النيابية نذكر ما يلي: ● يوسف الزلزلة: إن لم تكن الضوابط الرقابية غير واضحة، فأمر طبيعي أن تتجاوز المؤسسات، الباحثة عن الربحية، اللوائح. فإذا لم يقم البنك بدوره الرقابي، فستكون المؤسسات غير ملتزمة.
● حسن جوهر: مهام البنك المركزي هي السياسة النقدية ورقابة البنوك، وهو لم يحقق إلا الفشل وإدخال البلاد في نفق مظلم.
● الصيفي الصيفي: ضعف رقابة البنك المركزي سبب أزمة القروض التي عاشها المواطن، فضلا عن ضعف الرقابة الذاتية داخل البنك.
● عبد الرحمن العنجري: المركزي أخفق إخفاقا ذريعا في مراقبة الشركات الاستثمارية، مما أدى إلى الوضع الحالي. فهذه الشركات كانت ترتكز على سوق الأوراق المالية المتضخم والسوق العقاري المحدود (...) نحن أمام كارثة لأن البنك المركزي ليس لديه الإدارات الفنية كي تراقب شركات الاستثمار.
● علي العمير: هناك من لديه شهادات "مضروبة" ويريد ان يدقق في حسابات الشركات... نهيب بالبنك المركزي ألا يُخترق بأصحاب الشهادات المضروبة.
● مرزوق الغانم: بالنسبة للرقابة على شركات الاستثمار، فإننا نلوم البنك المركزي لأنه كان هناك تساهل ومرونة بدلا من التشدد. واليوم نرى العكس، فبدل من المرونة، بات هناك تعسف. ونتمنى من الأخوة في البنك المركزي النظر بجدية إلى الأوضاع الاقتصادية السيئة التي تمر بها البلاد.
● عادل الصرعاوي: هناك الكثير من الملاحظات على البنك المركزي خصوصا في ما يتعلق بدوره الرقابي على شركات الاستثمار.
وأمام إطلاق النار هذا، منه العشوائي ومنه المدروس، لم يرّد ممثل المركزي سوى ببعض العبارات. ومما قاله دفاعا عن مسألة الرقابة: "إن المركزي يشرف على 350 جهة، وهو قادر بكوادره على القيام بدوره (...) رقابة البنك المركزي لاحقة وليست سابقة. نعم هناك بعض المخالفات، ودور البنك هو التدقيق بالمخالفات وممارسة الإجراءات".
رد غير موفق
غير أن مصادر مصرفية وصفت رد "المركزي" بغير الموفق، رافضة في الوقت نفسه أي تدخل سياسي بالسلطات الرقابية. وقالت في هذا الإطار: لم تأت انتقادات نواب مجلس الأمة، وأغلبهم أعضاء في لجنة الميزانيات ولجنة المالية البرلمانيتين، من فراغ. فصحيح أنهم ليسوا خبراء في عالم النقد والمال، إلا أن لبعضهم تجارب وخبرات، كما أن أغلبهم محاطون بمستشاريين اقتصاديين وماليين.
ويعتبر مصرفي، رفض الكشف عن اسمه لحساسية الموضوع، أن انتقادات النواب جاءت هذه المرة بهدف الإصلاح وليس بهدف سياسي آخر. فلقد رأوا ما قد حلّ بقطاع شركات الاستثمار حين تُرك على غاربه خلال الأعوام القليلة الماضية، وكيف أتت الأزمة لتكبد عشرات آلاف المواطنين خسائر بمليارات الدنانير وتجرّعهم الكأس المرّة، بسبب سوء الرقابة وسوء الإدارة وسوء الحوكمة.
لكن هل كان من الممكن تلافي هذا الانهيار الحاصل في قطاع يضم 100 شركة استثمار وعشرات آلاف المساهمين ومدخرات مئات آلاف العملاء؟ ينتقد المصرفي جواب ممثل المركزي في قاعة عبدالله السالم عندما وصف رقابة البنك باللاحقة وليست سابقة، مشيرا إلى جملة مغالطات في هذا الجانب:
التنظيم قبل الرقابة أولا، دور البنك المركزي في جميع دول العالم وبما فيها الكويت ليس رقابي فقط، بل تنظيمي في المقام الأول. فصحيح أن الرقابة لاحقة، بمعنى أن المركزي لا يتدخل بقرارات البنوك والمؤسسات المالية، غير أن الرقابة السابقة تتحقق أيضا عبر وضع أطر تنظيمية وتشريعية للقطاع المالي.
إذن، الرقابة لا تأتي قبل التنظيم، بل بعده. ومن ثم يعمل فريق المركزي على المراقبة والتفتيش والمتابعة والتدقيق في دفاتر ونشاطات المؤسسات المرخص لها، وذلك بهدف تقييم أوضاعها وظروفها، ومعرفة ما إذا كانت تتبع وتتطابق مع النظم والقوانين والتعليمات واللوائح القائمة.
فإذا كانت الرقابة لاحقة، يكون التنظيم مسبقا. وقد منح القانون الكويتي في هذا الإطار صلاحيات واسعة للبنك المركزي. وتنص المادة 71 من قانون النقد وبنك الكويت المركزي والمهنة المصرفية رقم 32 لسنة 1968، والتي عُدلت بالقانون رقم 130 لسنة 1977، على أن "للبنك المركزي أن يزود البنوك بالتعليمات التي يراها ضرورية لتحقيق سياسته الائتمانية أو النقدية أو لتأمين سير العمل المصرفي على وجه سليم".
وتقول مصادر استثمارية أن البنك المركزي لم يول قطاع شركات الاستثمار اهتمامه من البداية كما فعل مع البنوك. والدليل أنه تأخر سنوات حتى يحدد معايير رقابية جديدة كان من المفترض تطبيقها منذ أن بدأت طفرة ترخيص الشركات بين عامي 2005 و2007.
وتضيف المصادر: عندما يكون القطاع قليل التنظيم، والتعليمات فيه غير مشددة، لا تلومن المستثمرين الذين "فرخوا" عشرات الشركات في فترة وجيزة، وفعلوا ما فعلوه بأموال المكتتبين والعملاء. وكل هذا تحت مظلة القانون!
التشديد قبل الكارثة ثانيا، إذا لم تكن رقابة المركزي سابقة، فما المانع من أن تكون استباقية؟! فقضية شركات الاستثمار ليست بجديدة، والقطاع شهد طفرة منذ عام 2001. وقد حذر صندوق النقد الدولي، في تقرير له عن القطاع المالي الكويتي في عام 2004، من أن شركات الاستثمار غير محددة الهوية، وأن معدلات الاستدانة فيها مرتفعة.
لقد قرع جرس الإنذار قبل 4 سنوات من اندلاع الأزمة المالية العالمية، لكن كما يقول المثل: أذن من طين وأذن من عجين.
وهنا تتساءل مصادر مالية رفيعة: لماذا لم يتم الاستجابة لعشرات الدعوات المحلية والدولية بضرورة تشديد الرقابة على قطاع شركات الاستثمار؟ لماذا تأخر المركزي كل هذه الفترة حتى يشدد قبضته على القطاع؟ ألم تكن فقاعة تأسيس الشركات وتضخيم أصولها واضحة؟ وتشير الأوساط المالية مستغربة إلى الأدوات والصلاحيات التي كانت متاحة أمام المركزي لتشديد رقابته على القطاع.
وتقول في هذا الإطار: كانت جميع ميزانيات الشركات متوافرة بشكل ربع سنوي على طاولة فريق عمل المركزي. وكانت الدفاتر جاهزة تحت الطلب ليدقق فيها المراقبون، الميدانيون منهم والمكتبيون. لكن عبثا تفتش وتدقق وتحاسب، ما دامت التعليمات سهلة متساهلة، والقيود بسيطة متباسطة، والبيانات وردية بفعل فاعل.
فعلى الرغم من كثرة الأدوات المتوافرة، أُهمل التنظيم وتُركت الرقابة نسبيا لوقت طويل بيد مدققي الحسابات، الذين فقد بعضهم مصداقيته، حتى طاح الفأس بالرأس ووقعت الكارثة، فطارت أموال العباد مع أول هبة ريح عاصفة. التنظيف قبل فوات الأوان ثالثا، من ميزة الرقابة اللاحقة أنها تستطيع فرز الغث من السمين، والتفريق بين "التلميذ المجتهد" و"التلميذ المشاغب". كما تسمح بوضع معايير جديدة لمستقبل قطاع الاستثمار. صحيح أن الكارثة وقعت، لكن خيرٌ للقيود أن تأتي متأخرة، من ألا تأتي أبدا. فالمراقبون يعتبرون أن إطلاق صافرة إعادة هيكلة قطاع الاستثمار من شأنها تنظيف السوق من وحدات "مسمومة" عاثت في البلاد فسادا.
فعندما انقلب السحر على الساحر، تبيّن زيف مقولة أن شركات الاستثمار ترفع إسم القطاع الخاص عاليا. ووفق بعض المصرفيين، لقد وضع بعض شركات الاستثمار سمعة القطاع المالي على المحك. وخير دليل على ذلك احتواء جميع تقارير المؤسسات الدولية دون استثناء على تحذيرات من الصعوبات التي تواجهها شركات استثمار في الكويت. وقد نبهت هذه المؤسسات مرارا وتكرارا من تداعيات وضع هذه الشركات على البنوك المحلية.
ولعل الرقابة اللاحقة هذه المرة تلعب دورها الصحيح، فتصعّب المهمة أمام المتلاعبين بأموال الناس، وتكافئ الشركات الملتزمة بالقواعد والأصول، قبل أن تضيء شاشات التداول معلنة GAMEOVER!