ان الازمة اليونانية وما صاحبها من التدخلات الأوروبية وصندوق الدعم الأوروبي التريليوني وخطط التقشف الأوروبية ومؤخرآ وليس آخرآ خطة التقشف الايطالية والتي تسعى من خلالها الحكومة الايطالية الى تقليص العجز بقرابة ال24 مليار يورو ،وهدوء الى حد كبير من حدة الاحتجاجات الشعبية في أوروبا ازاء خطط التقشف هذه وهو ما يعد بداية للاستسلام للأمر الواقع واعادة التدبر في ضوء الأوضاع الجديدة التي ستقلل في النهاية من مستويات الرفاهية الاجتماعية الأوروبية المعهودة (والتي تعد بعد كل ذلك أعلى المستويات في العالم) وكذلك سعي المفوضية الأوروبية مؤخرآ الى فرض مزيد من الرقابة على ميزانيات الدول الأعضاء وهو ما تؤيده ألمانيا،وكذلك يجب عدم غض الطرف عن الفوائد التي تجنيها أوروبا الآن من انخفاض قيمة اليورو وهو ما يؤدي الى زيادة الصادرات الأوروبية التي أصبحت أكثر تنافسية وتدعيم معدلات السياحة الوافدة الى أوروبا وتخفيض تكلفة الاستثمار في أوروبا مما يزيد من جاذبيتها في استقطاب الاستثمارات الأجنبية، صحيح أن انخفاض اليورو يؤدي الى زيادة فاتورة الواردات الأوروبية وعلى رأسها موارد الطاقة والمواد الحام الا أنه على المدى القصير والمتوسط تظل النسبة لصالح أوروبا التي تعتمد على التصدير وتظل صادراتها في جميع الأحوال ذات ميزة نسبية تتعلق بالجودة المعهودة وقرب أوروبا الجغرافي من أسواق التصريف مما يقلل من فاتورة النقل والشحن.
وكذلك تسعى أوروبا بقيادة كل من ألمانيا وبريطانيا الى فرض ضريبة على البنوك تستخدم حصيلتها في دعم الاستقرار المالي وكبح جماح المضاربات العنيفة في الأسواق حيث صرح فينس كيبل وزير الأعمال في الحكومة البريطانية الائتلافية الجديدة بأن حكومته مصرة على المضي قدمآ نحو فرض ضريبة على البنوك لمنع مثل تلك الانهيارات مستقبلآ وذلك بالترافق مع ما ذهبت اليه ألمانيا من حظر عمليات البيع على المكشوف والتي تدفع وتزيد من حدة الانهيارات في الأسواق المالية (حيث يتم وفقآ لهذه الآلية اقتراض الأسهم ثم بيعها ثم اعدة شراؤها بعد نزول أسعارها وبالتالي رد ما تم اقتراضه الى المقرق والمكسب يكون في الفارق بين سعر البيع في البداية وسعر الشراء في النهاية أي أنها عملية تبدأبالبيع وتنتهي بالشراء)،بالاضافة الى شروع اليونان في عملية خصخصة واسعة لقطاعي النقل والبريد وذلك لتوفير الأموال اللازمة للمساهمة في خفض عجز الموازنة وسداد الديون المستحقة وكذلك في اطار خفض الانفاق الحكومي وترحيل مشروعات حكومية الى القطاع الخاص بغية ادارتها بشكل من المفترض أن يكون أكثر كفاءة، وكذلك دعوة المفوضية الأوروبية لاستونيا للانضمام الى اليورو ويتم حاليآ دراسة ملفات عدد من دول أوروبا الشرقية للانضمام الى اليورو وهو مايعني أن اليورو لازال في مرحلة التوسع.
وتم أيضآ مؤخرآ فرض بند دستوري جديد في ألمانيا يفرض على الحكومة خفض العجز في الميزانية اعتبارا من العام 2011 إلى حدود عشرة مليارات يورو سنويا من الآن وحتى 2016 لتقليصه عندئذ إلى نسبة 0.35 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي.وحددت المفوضية تاريخا لكل دولة يتعين عليها إعادة عجز ميزانيتها إلى نطاق السيطرة. والمواعيد المحددة لذلك لمعظم دول منطقة اليورو بما فيها إسبانيا والبرتغال هي في عام 2013.
وقد أكدت مؤخرآ مجموعة من أهم و أغنى البنوك المركزية العالمية سواء الصينية والروسية واليابانية والكورية الجنوبية والهندية أنها ستستمر في الاستثمار في العملة والسندات الأوروبية والاحتفاظ باليورو كأحد أهم عملات الاحتياط العالمية.
ويترافق ذلك مع اعلان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (مقرها في باريس وتضم 31 دولة في العالم تتبع مبادئ الاقتصاد الحر والديموقراطية الحقيقية) أن معدل النمو المتوقع في أوروبا خلال الفترة القادمة سيبلغ 1.2 بالمئة هذه السنة و1.8 بالمئة في التي تليها وهما معدلان أكبر ولو قليلا من التوقعات السابقة في نوفمبر بمعدل 0.9 بالمئة و1.7 بالمئة.
وبالتالي فانه يجب النظر الى هذه الأزمة من خلال منظور يجمع كل ماسبق وهو مايشير الى أنها أزمة شبه عابرة ويتم التعامل معها بكل جدية حاليآ وهو ما أدى حاليآ الى تماسك الأسواق المالية فيما عدا بعد الانخفاضات الحادة هنا وهناك وهذا أمر طبيعي حتى تتضح معالم الخطة واطمئنان الأسواق العالمية الى مدى قوة ارادة الحكومات في مواجهة الضغوط الشعبية فيما يتعلق بخطط التقشف ومعالجة الديون ؛ان ما حدث لليورو يمكن أن ينطبق عليه القول المأثور أن لكل جواد كبوة ولكن من المتوقع أن يعود اليورو مرة أخرى قويآ ومعافى.