تراهن الأجيال الجديدة من الأوروبيين على اليورو في تحطيم جبروت الدولار الأمريكي، لكن، وبالرغم من إغراءات تحويل وجهة التبادلات التجارية إلى اليورو، إلا أن البنوك المركزية والشركات العالمية لا زالوا عالقين إلى حد كبير مع طاحونة الدولار، والسؤال ما هي خطة أوروبا لترسيخ اليورو خارج حدودها؟، وهل السندات القياسية التي ينوي الأوربيون إصدارها بقيمة 20 مليار يورو ستكون قادرة على منافسة سندات الخزانة الأمريكية كأصل آمن؟.
يجري التعامل باليورو على نطاق واسع خارج 19 دولة تستخدمه رسميا، بينما تربط حوالي 20 دولة عملاتها باليورو بطريقة ما، وإن كانت هذه البلدان في الأساس مستعمرات أوروبية سابقة وجيرانا مقربين للأوروبيين، ووفقا للبنك المركزي الأوروبي، فإن ما بين ثلث ونصف إجمالي الأوراق النقدية باليورو يُحتفظ بها خارج منطقة اليورو، ومع ذلك، ومن خلال المقاييس العادية للاستخدام الدولي، يأتي اليورو في المرتبة الثانية بعد الدولار.
بالرغم من أن حصة اليورو في مدفوعات المعاملات تعتبر أقرب كثيرا إلى حصة الدولار، نظرا لأن الاتحاد الأوروبي هو أكبر جهة تبادل في العالم للسلع والخدمات، إلا أن معظم السلع مثل النفط والقطن يتم تسعيرها بالدولار، ونعتقد أن هناك تغييران في الظروف قد يمنحان اليورو الفرصة لمنافسة الدولار، أولا، هناك تغير لافت في موقف الولايات المتحدة من صنع السياسات الاقتصادية الدولية، إذ تتعارض الحمائية الخاصة بها مع الالتزامات المفروضة على مُصدر العملة الاحتياطية العالمية، وحتى في ظل إدارة جو بايدن الأكثر تصالحية، تشعر أوروبا بالقلق من أن مصالحها لن تتماشى دائما مع مصالح الولايات المتحدة، ويعتقد زعماء منطقة اليورو أن تعزيز الاستخدام الدولي للعملة سيساعدهم على تحقيق "الاستقلال الاستراتيجي".
يبدو الاتحاد الأوروبي منزعجاً بشكل خاص من إجبار الشركات الأوروبية على الالتزام بالعقوبات الأمريكية التي عارضتها أوروبا، فقد استخدمت الولايات المتحدة حاجة البنوك الكبرى للوصول إلى الدولار لمراقبة سلوكها، وأولئك الذين خالفوا المراسيم الأمريكية تكبدوا غرامات كبيرة، ولا شك أن هذا الامتياز خارج الحدود الإقليمية تسليح غير مبرر للدولار، وقد شجع ذلك على تغيير رأي المقاومون لفكرة تعزيز الدور الدولي لليورو.
أما التغيير الثاني فحدث نتيجة الوباء، حيث لقيت الإجراءات السريعة للبنك المركزي الأوروبي والحكومات الوطنية ترحيبا كبيرا، وقد عزز هذا من مصداقية اليورو في الأزمات، وهي سمة أساسية للعملة العالمية، والأهم من ذلك، استجابة الكتلة للأزمة من خلال تعديل هيكل العملة الموحدة بطرق من شأنها أن تعزز جاذبيتها الدولية، لكن، الخطوة الكبيرة تمثلت في إصدار سندات مدعومة من ميزانية الاتحاد الأوروبي، مما يجعلها مشابهة تقريبا لسندات الخزانة الأمريكية، وهذا أمر جديد نسبيا في أوروبا، حيث يتم الاقتراض في الغالب من قبل الحكومات الوطنية التي تتفاوت جدارتها الائتمانية، ويخلق السند الجديد لعموم الاتحاد الأوروبي طريقة للمستثمرين للادخار باليورو دون المخاطرة بالائتمان.
مع ذلك، لا تزال بعض خصوصيات العملة الموحدة قائمة، حيث تفتقر منطقة اليورو إلى بعض العناصر المهمة لاتحاد مالي متماسك، مثل تقاسم المخاطر إذا تداعت البنوك، وأعني أن عودة أزمة منطقة اليورو ما زالت ممكنة، فلا تزال أسواق رأس المال ضعيفة، على عكس الأسواق الأمريكية، ومن المشكوك فيه ما إذا كان الحصول على حصة من الدولار سيساعد في عزل أوروبا عن نفوذ الولايات المتحدة، إذ ستحتاج البنوك دائما إلى الدولارات، وبالتالي موطئ قدم في نيويورك، وحتى لو ازدهر اليورو فلن يحل محل العملة الأمريكية، ولكن ربما تكون هناك هيمنة مشتركة تعيد التوازن إلى النظام النقدي الدولي.
خاص_الفابيتا