أشار قرار مجلس الوزراء رقم 12 لسنة 2000 في شأن النظام الخاص بإدراج الأوراق المالية والسلع في السوق المالي الإماراتي إلى إمكانية تعليق إدراج أي ورقة مالية إذا انخفضت لأقل من 60 % من قيمتها الاسمية وفقا للفقرة (د) من المادة 20، وقد توقع الكثير من المساهمين والمراقبين والمستثمرين أن يتم تطبيق هذه المادة على الأسهم التي تنخفض قيمتها السوقية دون 40 فلسا في سوق الإمارات لكن ذلك لم يحدث بل نوه مسؤول الأوراق المالية مؤخرا إلى رغبته في عدم تعليق أي ورقة مالية بالإستناد إلى مضمون الفقرة (د) من المادة 20 داعما وجهة نظره بأمرين..
الأول: أن تطبيق هذه المادة اختياري غير إلزامي.
و الثاني: أن الظرف استثنائي عام ناجم عن الأزمة المالية العالمية وليس ظرفا استثنائيا خاصا بالورقة المالية نفسها.
لا شك أن مسؤول الأوراق المالية في حيرة أمره هذه الأيام، فقرار تعليق إدراج أسهم كل من أملاك وتمويل كان تجربة مريرة لجميع الأطراف ومن وجهة نظره فإن أي تجربة تعليق جديدة قد لا تفيد السوق المحلي بل بالعكس قد تضر به لكنه في الوقت نفسه هو قلق لأنه يؤسس لسابقة تنظيمية قد تعيق دوره القانوني والرقابي مستقبلا.
إن الفلسفة من ذكر أي إجراء احترازي ضمن نص تشريعي أو قانوني أو تنظيمي بشكل واضح هو تحميل مُطَبِقْ النص المسؤولية القانونية والأخلاقية وتقليص حدود اجتهاده، وأعتقد جازما أن نص الفقرة (د) من المادة 20 جاءت لغاية واضحة وصريحة هي حماية المتداولين في السوق من ورقة مالية تعاني من خلل جوهري وإلا فكيف نفسر تحديد نسبة 60% دون غيرها؟
لا يشكك أحد بالضرر الذي تعرض له سوق المال في الإمارات بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية من جهة وأزمة ديون دبي من جهة أخرى، ولكن وبالرغم من كل ذلك فإن هذا السوق ما زال قويا ونشطا ومرنا ويملك الكثير من القدرة على المناورة بدليل أن معظم الأسهم مازال فوق قيمته الاسميةو قريبامن قيمته الدفترية وعدد قليل فقط تحت القيمة الاسمية وسهم واحد يتيم دون 40 فلس أي أن واقع السوق لا يختلف إطلاقا عن واقع أسواق العالم.
بعد التجربة المريرة لوقف تداول كل من سهمي أملاك وتمويل يحق لمسؤول الأوراق المالية أن يتوخى الحذر في كل قرار تعليق تداول ورقة مالية يتخذه لكن هذا الحذر يجب أن لا يدفعه للتخلي عن الهدف السامي لمهمته المتمثلة بالرقابة من أجل حماية حقوق المستثمرين وأعتقد مرجحا أن تطبيق الفقرة ( د) من المادة 20 سيعزز الثقة بمسؤول الأوراق المالية وسيجنبه الإنتقاد لاحقا واتهامه بأنه انتقائي في تطبيق القرارات والمواد التنظيمية.
إن المبررات المعلنة أعلاه والمستأنس بها لعدم تعليق تداول ورقة مالية انخفضت أكثر من 60 بالمئة من قيمتها الاسمية مبررات واهية، بدليل أن الأزمة المالية العالمية أثرت على جميع أوراق السوق لكن الذي خالف مضمون الفقرة (د)من المادة 20 هي ورقة واحدة يبدو أنها تعاني من أزمة هيكلية جعلتها متعثرة إن لم نقل مفلسة وهذا بحد ذاته مبرر لتعليق تداولها إذ ما ذنب المستثمر البسيط الذي قد يندفع عن جهل ويشتري مثل هذه الورقة المالية المهترئة.
من المؤكد أن مسؤول الأوراق المالية مدعو في الظروف الاستثنائية لأن يكون مبادرا ويتخذ قرارات شجاعة واستثنائية، كما أنه مطالب بتطبيق القانون لحماية المصالح العليا للوطن والمواطن وإلا فليخرج علينا بحلول ذكية واستثنائية ترفع عنه الحرج وترضي الأطراف المتفاعلة في سوق المال وإن لم يفعل فإن الكثير من الشركات مستقبلا سيدخل في جدل قانوني وربما قضائي مع مسؤول الأوراق المالية من أجل منع تعليق ورقته المالية بنفس الحجة المعلنة هذه الأيام وبالتالي فإن قرار وقف التداول من عدمه قد يخرج مستقبلا من يد مسؤول الاوراق المالية ويذهب للقضاء أو لولي الأمر لأن التخلي عن المسؤوليات قد يأتي بالشبهات.