من عادة الأسواق المالية المبالغة في الارتفاع والانخفاض بسبب أخبار إيجابية أو سلبية، ذلك يقال دائما على المستثمر تفادي توقيت الأسواق لأن أغلب العائد يحدث في أيام قليلة من العام. أغلب الناس لا يستطيع قراءة التحولات، ولذلك قد لا يكون توقيت الأسواق هو السياسة المناسبة لإدارة محفظته. لكن أيضا الحقيقة أن هناك عادة ما يكفي من المؤشرات لتقدير حجم وحدة التراكم، وبالتالي تقدير نقطة الانعطاف. بعض الانعطافات تاريخية، وبعضها فني، وغالبها نفسي، أيا كانت الحيثيات. التذبذبات الحادة في الأسواق هذه الأيام تعيد التفكير في التجربة ورصد قرارات كل منا. القرار الحصيف لا بد أن يحكمه تقدير للسلوك والمعرفة الشخصية قبل الخوض في قرارت الاستثمار.
أحد التحولات التاريخية أتذكرها من اقتصادي بريطاني زار المملكة قبل نحو 30 عاما، وذكر لي حينها أنه متفائل بسوق الأسهم، خاصة في أمريكا وشرق آسيا، والسبب أنه يعتقد أن التضخم انهزم لعقود بسبب نهضة الصين الصناعية، وقدرتها على إنتاج سلع متنوعة بأسعار مناسبة للجميع، وأن هذه التجربة تشابه تجربة أسعار الغذاء في القرن الـ 19 حين تم استغلال الأراضي الزراعية الجديدة الواسعة والخصبة في أمريكا. كان الغذاء أهم في مصروفات العامة، والآن المصنوعات أهم. بعدما ارتقت الصين سلم المعرفة والأجور، لم تعد الصين طريقا للصناعات بسبب الأيدي العاملة الرخيصة، فكما ذكر كوك رئيس "أبل"، أن شركته لم تذهب للصين بسبب رخص العمالة، لكن لتوافر المهندسين والفنيين. أحد التحولات التاريخية أيضا فك ارتباط الذهب بالدولار في 1971، الذي يعد تحولا في الصناعة المالية، وتعاظم دور "المالية" في كل الأعمال، تحول لا بد أن يقود للتضخم في ظل الضغط على الحكومات ماليا لأسباب أحيانا ظرفية مقنعة، مثل أزمة كورونا، وأحيانا بسبب تساهل في السياسات مثلما حدث في الأزمة المالية العالمية. الهزات الحالية - في نظري - تدخل تحت الفني، لكنها تبعات لتطورات تاريخية.
اختار البنك الفيدرالي رفع الفائدة من نصف إلى ثلاثة أرباع للتعبير عن مدى الحرص على محاربة التضخم، خاصة أن أمريكا على شفا انتخابات مهمة، حيث لا يتحمل السياسي الدخول فيها في ظل تضخم عال. اعترفت الإدارة بالخطأ بتأخير رفع الفائدة على لسان وزيرة الخزانة، وبحضور رئيس "الفيدرالي"، الذي تعهد بمحاربة التضخم برفع الفائدة حتى بثلاثة أرباع الشهر المقبل، ما يجعل الأسواق في حالة ترقب، ولذلك التذبذب استمر عاليا مع كل إشارة قد تشير إلى استمرار التضخم أو التباطؤ الاقتصادي. لكن أيضا يحكم البيئة الحالية ربما أكثر من سياسة "الفيدرالي" على أهميتها، فهناك ارتفاع في الاستقطاب الاقتصادي والسياسي، إذ إن السياسات الحمائية سوى المباشرة بالرسوم أو غير المباشرة بالحد من دور سلاسل الإمداد، والحرب الروسية - الأوكرانية، والخوف من حرب تقودها الصين لإرغام تايوان على العودة إليها، وكذلك تهورات كوريا الشمالية وإيران. حتى دون حروب، هناك تراجع ملحوظ عن التجارة المفتوحة والعولمة وتفاقم الفجوة الاقتصادية بين أمريكا وأوروبا، عوامل تهيئ البيئة العامة لركود تضخمي. هناك رأي آخر يقول، إن العالم أدمن "الفلوس السهلة"، ولن يتردد السياسيون والبنوك المركزية المؤثرة بطبع مزيد بعد السيطرة على التضخم. ما يعني أنه ليست لدى الدول المؤثرة حلول جديدة أو إبداعية، وهذا سيقود إلى تذبذب أعلى ربما ينتهي بتغير تاريخي آخر، إذ إن النموذج الحالي يقترب من الاستهلاك.
نقلا عن الاقتصادية
"وهذا سيقود إلى تذبذب أعلى ربما ينتهي بتغير تاريخي آخر، إذ إن النموذج الحالي يقترب من الاستهلاك." .........صدقت وبالحق نطقت ......اعتقد اننا على وشك اتفاقية جديدة تشابه اتفاقية برايتون وودز ..وربما تكون a game changer
شكرا لك ، اتفق لأنها بدأ يتاكل و اسرع الضغط عليه لأسباب جيوسياسية. تنامي دور الصين علامه فارقه و توظيف الغرب للحضر جعل الكثير متقبل لنظام بديل.