هل لا زالت البورصة مرآة للاقتصاد !!!!

26/05/2010 2
بشير يوسف الكحلوت

هذه التراجعات المخيفة في مؤشرات الأسهم العالمية والإقليمية وفي بورصة قطر تطرح تساؤلاً كبيراً عما إذا كانت البورصة –أي بورصة-مرآة تعكس واقع الحال في الاقتصاد من نمو وازدهار أو من إنكماش، أو أن وظيفتها هذه قد تعطلت منذ زمن، وبات الاقتصاد ينكمش فترتفع مؤشرات البورصة، ثم ينمو فتنخفض المؤشرات؟؟؟ هذا ما حدث على الأقل في بورصات العالم التي ارتفعت مؤشراتها بقوة في عام الركود الاقتصادي 2009، وهي اليوم تنخفض بشدة في عام خرجت فيه الاقتصادات الرئيسية من الركود وحققت نمواً في الولايات المتحدة واليابان وبعض دول أوروبا.

وما يهمنا هنا بالدرجة الأولى هو ما يحدث في الاقتصاد القطري الذي بشرت تقارير صندوق النقد الدولي منذ فبراير الماضي بأنه سيحقق في عام 2010 نموا اقتصادياً حقيقياً بمعدل 18.5%، وبمعدل 30.5% بالأسعار الجارية للناتج المحلي الإجمالي، وجاءت أرقام الموازنة العامة للدولة لتبشر بارتفاع مستويات الإنفاق إلى مستويات عالية، في ظل زيادة كبيرة في الإيرادات المتوقعة. وحتى بعد أن عدل جهاز الأحصاء بيانات الناتج لعام 2009، وانخفضت بالتالي توقعات النمو الاقتصادي للعام 2010، فإن المعدلات الجديدة -التي قدرتها في مقال سابق- لا تزال كبيرة نسبياً وتصل إلى 11% بالأسعار الجارية ونحو 7% بالأسعار الثابتة،،، فلماذا إذن تنهار أسعار الأسهم في البورصة القطرية؟

قد يقول قائل إن الأزمة المالية التي بدأت هذه المرة من أوروبا، تطل على العالم من جديد وقد لا تنفع معها الحلول التي جربتها أمريكا في العام 2008/2009، باعتبار أن أمريكا-وهي دولة واحدة- كانت تنفق بسخاء على شركاتها المتهالكة - دون الحاجة إلى الاقتراض من أحد، فهي تصدر مليارات الدولارات مقابل سندات على الخزينة الأمريكية، أما أوروبا - وهي دول شتى- فلا تملك هذا الحل السحري، فضلاً عن أن بعض برلمانات دولها لن توافق على أي توسع في إقراض دول أوروبيةٍ مدينة. ولذلك فإن أزمة عالمية جديدة قد بدأت تلوح في الأفق انطلاقاً من أوروبا... وكأن مشاكل ديونها وعجوزات موازناتهها على تعقيداتها لم تكن كافية، حتى أُبتليت أوروبا بالسحابة البركانية التي عطلت مطاراتها لفترة ليست بالقصيرة واتعبت اقتصاداتها المرهقة. وفي وقت لا زالت فيه جراحات قوات التحالف تنزف بقوة في أفغانستان، إذا بجبهات أخرى تشتد سخونتها، وخاصة في موضوع الملف النووي الإيراني، وفي تأزم العلاقات في شبه الجزيرة الكورية.

والأزمة التي تطل من أوروبا ستمتد إلى كل مكان وستنعكس سلباً على اقتصاداتها، وينخفض الطلب على النفط، فتنخفض أسعاره، وهنا يبدأ التأثير على الاقتصاد القطري، وقد تتغير بالتالي كل التوقعات المتفائلة التي رسمت صورة وردية جداً لعام 2010.

والحقيقة أن صورة الاقتصاد القطري كما رسمتها الأرقام الصادرة في شهر أبريل كانت تنذر ببعض ما حدث اليوم، فمن ناحية كان معدل التضخم لا يزال سالباً بنسبة -2.95%، بسبب استمرار التراجع في أسعار العقارات والإيجارات، وأما بيانات الجهاز المصرفي المعروفة بالميزانية الشهرية المجمعة للبنوك، فقد أظهرت أن الاقتصاد القطري كان في الشهور الأربعة الأولى من السنة ينمو بالكاد؛ حيث نمت الموجودات والمطلوبات ما بين نهاية ديسمبر ونهاية أبريل بما نسبته 1.8% فقط. ورغم نمو الائتمان المحلي في الفترة المشار إليها بنسبة 5.7% إلا أن ذلك كان بسبب زيادة التسهيلات المقدمة للمؤسسات الحكومية وشبه الحكومية، أما التسهيلات الائتمانية المقدمة للقطاع الخاص فقد تراجعت بما نسبته 1.4%، مع انخفاض التسهيلات الممنوحة لقطاعات العقارات والخدمات والصناعات، والقطاعات الأخرى غير المصنفة.

ويلاحظ أيضاً أنه رغم نمو ودائع العملاء بما نسبته 10.7% إلا أن معظم الزيادة كانت في الودائع الإدخارية، وليست في الحسابات الجارية التي ارتفعت بنسبة 5.8% فقط. كما أن ودائع البنوك الخارجية لدى بنوك في قطر قد انخفضت بما نسبته 13.9%. وفي ظل هذه الأوضاع مالت البنوك في قطر إلى زيادة حساباتها الحرة لدى المصرف المركزي بنسبة 22.2% إلى 32.5 مليار ريال مفضلة عدم المخاطرة بالإقراض للقطاع الخاص.

وإذن فالصورة التي ترسمها أرقام الجهاز المصرفي لشهر أبريل تُظهر تراجعاً في الائتمان الممنوح للقطاع الخاص، وربما توحي بتوقف البنوك عن إقراض بعض القطاعات، وتفضيلها الإيداع لدى المركزي. وفي مثل هذه الظروف لا يبدو غريباً أن تنخفض أسعار الأسهم في بورصة قطر على النحو الذي رأيناه منذ منتصف أبريل الماضي وحتى الآن.... ويظل السؤال بعد ذلك إلى متى يستمر مسلسل الانخفاض في أسعار الأسهم، وقد خسرت البورصة فيه من رسملتها ما يزيد عن 50 ملياراً في ستة أسابيع؟؟ هذا السؤال يحتاج إلى إجابة ملحة قبل أن يكسر المؤشر حاجز 6500 نقطة.