في التقرير الأخير لجهاز الإحصاء عن التغيرات التي طرأت على مستويات أسعار المستهلك في قطر جاءت البيانات لتؤكد أن التضخم في شهر أبريل (بالمعدل السنوي) كان لا يزال سالباً وبنسبة 2.95%، رغم ارتفاع الرقم القياسي للأسعار عما كان عليه في شهر مارس بنسبة 0.3%. وقد يبدو ذلك لُغزاً للبعض، إذ كيف يرتفع الرقم القياسي بينما يظل معدل التضخم سالباً أو متراجعاً؟
وفي تفسير ذلك نشير إلى أن مستويات الأسعار التي ظلت تتراجع على مدى ثمانية شهور متتالية حتى نهاية يناير 2010، قد بدأت ترتفع في الشهور الأخيرة؛ فارتفع الرقم القياسي في شهري فبراير ومارس بمعدل 0.1% في كل منهما، ليصل إلى 121.4 نقطة ثم ارتفع بمعدل 0.3% في أبريل ليصل إلى 121.7 نقطة، ولكنه لا يزال أقل من إلـ 125.4 نقطة التي كان عليها في أبريل 2009، بنسبة 2.95%، وهذا هو ما يعرف بمعدل التضخم في شهر أبريل 2010، أي أن الأسعار التي ارتفعت عما كانت عليه في الشهور الثلاثة السابقة لا تزال تقل في أبريل عن مثيلاتها في نفس الشهر من العام الماضي بنسبة 2.95%. وفي حين أورد موقع الإحصاء بيانات التغير الشهري في الأسعار والتي تشير إلى أن الأسعار في حالة ارتفاع إلا أنه أغفل الإشارة إلى معدل التضخم الذي لا يزال سالباً.
الجدير بالذكر أن معدل التضخم على أساس ربع سنوي (أي من ربع إلى الربع المناظر له قبل سنة) قد تراجع بشكل مطرد من أعلى مستوى وصله في الربع الثاني من العام 2008 وهو 17.1%، ليصل إلى 15.8% في الربع الثالث من ذلك العام، ثم إلى 13.2%، في الربع الرابع، وإلى 1.3% في الربع الأول من العام 2009، ثم انخفض مجدداً في الربع الثاني وأصبح سالباً بمعدل -2.9%، وتعمق انخفاضه في الربع الثالث إلى -7.4%، ثم إلى -10% في الربع الرابع من العام 2009 الذي كان عام الأزمة العالمية. وبأخذ متوسط الأرقام الأربعة الأخيرة يكون لدينا معدل سنوي للتضخم في عام 2009 بنسبة -4.8%.
ومع بداية عام 2010 بدأت أسعار السلع والخدمات في التوقف عن الانخفاض، بل وارتفع بعضها، فارتفع معدل التضخم في الربع الأول إلى -4.4% بدلاً من -10% في الربع السابق، واستمر الارتفاع في شهر أبريل كما ذكرنا أعلاه، فوصل المعدل إلى -2.95%. وهكذا فإنه مثلما كان المعدل في حالة ارتفاع مطرد حتى منتصف عام 2008، فإنه انقلب إلى تراجع مستمر حتى نهاية عام 2009، ثم بدأ في الارتفاع ثانية منذ بداية العام 2010 ولكنه لا يزال دون الصفر.
والارتفاع الشهري الذي طرأ على مستويات الأسعار في إبريل نتج عن ارتفاع أسعار كل مكونات سلة المستهلك ما عدا بند الإيجار، وبند الملابس والأحذية. فقد ارتفعت تكلفة خدمات النقل والمواصلات في أبريل بنسبة 1.2%، ربما بسبب ارتفاع أسعار تذاكر السفر، وانتهاء حزمة تخفيضات في خدمات الاتصالات، وارتفعت أسعار السلع والخدمات المتفرقة بنسبة 1.1%، فيما ارتفعت أسعار الأغذية والمشروبات بنسبة 0.7%، والأثاث والمنسوجات والأجهزة المنزلية بنسبة 0.4%، ثم التسلية والترفيه والثقافة بنسبة 0.3%، والعناية الطبية والخدمات الصحية بنسبة 0.2%. وفي المقابل انخفضت تكلفة بند الإيجارات بنسبة 0.6%، وبند الملابس والأحذية بنسبة 0.5%، وفي المحصلة ارتفع المؤشر في إبريل بنسبة 0.3% على نحو ما أشرنا في بداية المقال. الجدير بالذكر أن الرقم الفرعي الخاص ببند الإيجار والوقود والطاقة هو البند الوحيد الذي سجل تراجعاً شهرياً مستمراً في الشهور الإثني عشر السابقة، حيث انخفض من 141.9 نقطة في مايو 2009 إلى 120.8 نقطة في أبريل 2010، باستثناء ارتفاع واحد في فبراير الماضي.
وفي مجمل الأحوال؛ فإن الخط البياني للرقم القياسي العام قد وصل في يناير الماضي إلى 121.2 نقطة -وذلك على ما يبدو هو القاع-وبدأ بعد ذلك في الارتفاع، وإن بمعدلات شهرية طفيفة تتراح ما بين العُشر إلى ثلاثة أعشار بالمائة. ومثل هذا المعدل لو استمر في الشهور الأربعة القادمة فإن الرقم القياسي العام سيقترب من 123.8 نقطة التي كان عليها في أغسطس 2009، ومن ثم ينتقل معدل التضخم من الحالة السالبة إلى أرقام موجبة ربما في أغسطس 2010 الذي يصادف حلول شهر رمضان المبارك أو في شهر سبتمبر. وربما يظل معدل التضخم السنوي لعام 2010 سالباً في حدود 1-2%، إلا إذا توقفت الإيجارات عن التراجع، وبدأت في الارتفاع ولو بشكل محدود، فإن المعدل عندئذ قد يصبح موجباً بـنسبة تتراوح ما بين 1-2%. على أن التراجع الكبير الذي طرأ على سعر صرف اليورو أمام الدولار قد يساعد على بقاء معدل التضخم سلبياً إذا ما انخفضت أسعار السلع المستوردة من أوروبا خلال ما تبقى من العام.