ظل معدل التضخم في قطر لشهر مارس سالباً وبنسبة 3% مقارنة بما كان عليه الحال في مارس 2009، ووفقاً للبيانات المنشورة على موقع جهاز الإحصاء فإن الرقم القياسي العام للأسعار قد انخفض في مارس إلى 121.4 نقطة مقارنة بـ 125.1 نقطة قبل عام. ومفاد هذا الأمر أن معدل التضخم الذي كان سالباً بنسبة 5.4% في شهر فبراير قد ارتفع إلى سالب 3%، ولكنه لا يزال أقل بنسبة 3% عما كان عليه قبل سنة، فما هي أسباب ذلك التطور وما دلالاته على تكلفة المعيشة، وعلى النمو الاقتصادي في قطر في عام 2010؟
بداية قد يظن البعض أنه إذا كان الرقم القياسي للأسعار يقل بنسبة 3% عن مارس 2009، فإن معنى ذلك أن رب الأسرة الذي كان يصرف 10000 ريال قبل عام قد أصبح ينفق 9700 ريال فقط، وذلك قول غير دقيق حيث لا ينطبق الانخفاض بالضرورة على كل فرد في المجتمع بالتساوي، كما أنه لا يطرأ على ميزانية كل أسرة بنفس المقدار أو النسبة وإنما بمقادير ونسب متفاوتة.
ولو تصورنا-من باب التبسيط- أن المجتمع يتكون من ثلاث أسر فقط، وأن الميزانية الشهرية لكل أسرة هي عشرة آلاف ريال، فإن الأسرة الأولى يمكن أن يكون قد انخفض إنفاقها على الإيجار بنحو 1500 ريال مع ارتفاع تكاليف معيشتها الأخرى بنحو مائتي ريال، ولم يتغير إنفاق الأسرتين الثانية والثالثة على الإيجار ولكن ارتفعت تكاليف معيشتهما الأخرى بثلاثمائة ريال للثانية ومائة ريال للثالثة.
في المحصلة يكون إنفاق الأسر الثلاث قد انخفض على الإيجار بنحو 1500 ريال، وارتفعت تكاليف المعيشة الأخرى بنحو ستمائة ريال، أي أن التكاليف الكلية قد انخفضت بنحو 900 ريال نتيجة انخفاض بند واحد هو الإيجار لبعض أفراد المجتمع، مع ارتفاع التكاليف الأخرى. وهذا الإنخفاض في متوسط التكلفة يعادل 300 ريال للأسرة الواحدة وهو ما يعادل 3% من جملة انفاقها.
كان هذا المثال من باب التبسيط فقط، لأن واقع الحال أكثر تعقيداً من ذلك بكثير، فليس كل أفراد المجتمع يقطنون بالإيجار، وليس كل من يسكن بالإيجار قد انخفض إيجار مسكنه خلال الفترة محل الدراسة. وفي حين تنخفض أسعار سلع ما فإن أسعار سلع أو خدمات أخرى قد ترتفع ويقيس الرقم القياسي العام التغير المتوسط في مستويات سلة من السلع والخدمات وترجح النتيجة بوزن كل مجموعة في سلة الإنفاق للأسرة في المتوسط. وللتعرف على ما حدث من تغيرات في تكلفة المعيشة في مارس 2010 فإننا ننظر في التغيرات التي طرأت على الأرقام القياسية لأسعار المجموعات الفرعية للسلع والخدمات في شهر مارس 2010 مقارنة بمثيلاتها في مارس 2009، كما في الجدول المرفق ونجد في ذلك ما يلي:
انخفضت أسعار الإيجارات في المتوسط بما نسبته 13.2%، كما انخفضت أسعار الملابس والأحذية بنسبة 5.3%، وفي المقابل ارتفعت أسعار بقية المجموعات الأخرى بنسب متفاوتة؛ فالغذاء والمشروبات ارتفعت أسعارها بنسبة 1.4%، وارتفعت أسعار الأثاث والمنسوجات والأجهزة المنزلية بنسبة 6.9%، في حين ارتفعت تكلفة العناية الطبية والخدمات الصحية بنسبة 4.1%، وتكلفة وسائط النقل والمواصلات بنسبة2.1%، وتكلفة سلع وخدمات التسلية والترفيه والثقافة بنسبة 2.1%، ثم تكلفة السلع والخدمات المتفرقة بنسبة 4.3%. وعندترجيح التغير في أسعار كل مجموعة بوزنها النسبي ينتج لدينا أن تكلفة المعيشة في مارس 2010 قد انخفضت بنسبة 3% في المتوسط عما كانت عليه في مارس 2009.
وإذن لو استثنينا بند الإيجارات سنجد أن هناك ارتفاع محدود في تكلفة المعيشة، بسبب ارتفاع أسعار معظم مجموعات السلع والخدمات(سبعة من أصل تسعة)، وهذا الارتفاع يقدر حالياً –بعد أخذ أوزان الترجيح في الحسبان- بما نسبته 2% على معدل سنوي، ولكن انخفاض الإيجارات وأسعار الملابس والأحذية بما نسبته 5% -بعد الترجيح – يؤدي إلى بقاء معدل التضخم سالباً بنسبة 3%.
وما نستخلصه من هذا العرض للتطورات في الأسعار أن معدل التضخم آخذ في الارتفاع تدريجياً ويعود إلى مستوياته المقبولة في ظل ما يُتوقع للاقتصاد القطري أن يحققه في عام 2010 من نمو حقيقي بمعدلات مرتفعة قد تصل إلى 18.5% كما قال بذلك صندوق النقد الدولي. وارتفاع الأسعار يحدث إما نتيجة لارتفاع أسعار السلع المستوردة، أو بسبب انخفاض قيمة العملة المحلية مقابل اليورو والين والعملات غير الدولارية، أو بسبب زيادة في الطلب المحلي على بعض السلع الرئيسية بأكثر من الزيادة في المعروض منها.
وأحسب أن انخفاض سعر صرف العملة بين مارس 2009 ومارس 2010 هو أحد الأسباب الرئيسية للزيادة المحدودة في أسعار السلع والخدمات المشار إليها أعلاه، إضافة إلى حدوث زيادة في الطلب على السلع والخدمات بعد تراجعه بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية.