في النصف الثاني من سنة 2008 نجحت شركة داماس المتخصصة في تجارة الذهب والأحجار الكريمة في جمع أكثر من 270 مليون دولار من خلال طرح عام أولي بقيمة دولار واحد للسهم الواحد ، وتمكنت الشركة في 8/7/2008 من تسجيل أسهمها في سوق دبي المالي العالمي وفيما بعد أصبحت هذه الأسهم متاحة للتداول وكان من الممكن متابعتها وتداولها حتى يوم الخميس الماضي – قبل وقفها أمس - عبر منصة ناسداك دبي، وقد جاء وقف التداول على أسهم الشركة إثر إنهاء سلطة دبي للخدمات المالية تحقيقاتها المتصلة بوجود مخالفات مالية. وأثبت التحقيقات أن بعض هذه المخالفات ارتكب من قبل أعضاء في مجلس الإدارة وبعضها الأخر ارتكب من قبل الشخصية الإعتبارية لمجلس الإدارة الذي خالف - مجتمعا - قوانين وقواعد سلطة دبي للخدمات المالية خاصة المتعلق منها بحماية استثمارات المساهمين، وقواعد الشفافية والإفصاح.
أزعم أن ما جرى أمس كان مفاجئا للكثيرين، ليس على صعيد التحقيقات ونتائجها ، بل على مستوى أبعد بقليل فلو حدثت المخالفات من أعضاء مجلس الإدارة الذين لا يمتون إلى العائلة المؤسسة للشركة بصلة لكان الأمر طبيعي جدا ويحدث في كل زمان ومكان ، لكن الطامة الكبرى كانت أن المخالفات جاءت من أبناء العائلة المؤسسة للشركة ومالكي النسبة الكبرى من أسهمها والمتحكمين بإدارتها من خلال مواقعهم ومناصبهم وحجم حصصهم ولذلك كان الأمر مدهشا جدا للجميع . � لا شك أن سلوك المخالفين جاء كامتداد لسلوكهم الطبيعي عندما كانت الشركة ملكهم وحدهم ، ويبدو أن طرح نسبة من أسهم الشركة للإكتتاب العام وتحولها من شركة خاصة إلى شركة مساهمة عامة مع احتفاظ أبناء العائلة المؤسسة بمواقع القرار على غرار ماكان عليه الوضع قبل الإكتتاب جعلهم ينسوا واجباتهم تجاه الشركة والمساهمين فيها وهذا الأمر خطير جدا لأنه يعني أن أبناء العائلة فشلوا في التكيف مع الواقع الجديد أو أنهم لم يفهموا الطبيعة القانونية للكيان الجديد ، أو أنهم فهموا وعرفوا وقدروا- وهذا أخطر - أن مخالفاتهم قد تمر مرور الكرام أمام عيون وآذان السلطات الرقابية .
أعتقد جازما أن ما حدث في شركة داماس من مخالفات خطيرة شكل سابقة ستترك الكثير من الأثاروالتداعيات السلبية على الشركات العائلية الإماراتية التي كانت تنوي طرح نسبة من أسهمها للإكتتاب العام ، ولن يكون من السهل بعد اليوم على هذه الشركات جمع الأموال من الإكتتابات العامة بل ويمكن القول أن ما جرى سيؤثر ولو جزئيا على اقتراض الشركات العائلية من البنوك التي ستتفنن في تشددها والإكثار من طلب الضمانات والقيود الإئتمانية خشية أن يتكرر نفس السيناريو في شركات أخرى .
من المثير للجدل القول أن فلسفة صانع القرار الإقصادي الإماراتي توجهت خلال السنوات الماضية لجذب الشركات العائلية إلى خانة الشركات المساهمة العامة وكادت هذه الفلسفة أن تنجح و تغري العديد من الشركات العائلية الإماراتية بالتوجه إلى السوق الأولي لكني أعتقد أن ما جرى في شركة داماس سيجعل جميع الأطراف تعيد حساباتها فصانع القرارقد يعيد حساباته لا في التوجه - التوجه صحيح وإيجابي 100% - وإنما في إمكانية استمرار العائلة في السيطرة على أكثر من 50% من أسهم الشركة فالنموذج الماثل بين أيدينا لا يخدم هذا التوجه على الإطلاق وأتوقع أن يبدأ الحديث قريبا عن ظهور توجه جديد يعيد إلى نسبة 45% اعتبارها كونها الأكثر ملائمة للعائلات والمساهمين معا . كما أن أصحاب الشركات العائلية أنفسهم سيعيدون حسابتهم للتأكد من أنهم سيكونون قادرين على الإلتزام بالقواعد القانونية والأخلاقية للشركات المساهمة العامة قبل أن يقدموا على هكذا خطوة . ولا نغفل أيضا أن المستثمر أصبح سيسأل نفسه ألف سؤال قبل أن يقبل على الإكتتاب في أي شركة عائلية تطرح أسهمها للإكتتاب العام .
إن ما قامت به سلطة دبي للخدمات المالية من إجراءات حازمة كفرض تعهدات جبرية على مجلس إدارة الشركة – تتضمن حل المجلس- وتغريم عدد من الأعضاء ودعوة الجمعية غير العادية للإجتماع لتعيين مجلس إدارة جديدة كان أمرا متوقعا من سلطة تبني لنفسها سمعة عالمية وقد أثبت هذه السلطة لجميع المشككين أنها بالمرصاد لكل من تسول له نفسه التلاعب بحقوق المستثمرين وأعلنتها صراحة أن أي مجلس إدارة شركة سواء أكان مجلس إدارة شركة داماس الذي فشل في حماية أصول الشركة أو غيره سيكون تحت مظلة الرقابة والقوانين التي من شأنها حماية حقوق المستثمرين ومنع أي كان من المساس بالبيئة الإستثمارية لدبي أو زعزعة الثقة بها .
ما اجمل النظام وتطبيق القانون ... مقال رائع شكرا لك
تزاد الثقة بسلطة دبي للخدمات المالية ، تصفيق عالي