زيارة ولي العهد لأميركا.. الأمن الإستراتيجي والاقتصاد الرقمي

25/11/2025 0
فضل بن سعد البوعينين

شكلت زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان التاريخية لأميركا مرحلة جديدة من العلاقة الإستراتيجية بين البلدين، وحققت مستهدفاتها التي صيغت بعناية تامة، وفق رؤية ربطت بين التدفقات الإستثمارية المعلنة، وتحقيق متطلبات المملكة، ومصالحها، ومنها اتفاقية الدفاع الإستراتيجي، والشراكة الإستراتيجية للذكاء الاصطناعي، والتعاون في مجال الطاقة النووية المدنية، و تأمين سلاسل إمداد اليورانيوم والمعادن والمغانط الدائمة والمعادن الحرجة.

جاءت اتفاقية الدفاع الإستراتيجي لتؤكد أهمية المملكة، وعلاقاتها المتميزة مع الولايات المتحدة، وتعزز في الوقت عينه، الشراكة التاريخية بين البلدين. تأطير الشراكة باتفاقية دفاعية، والسماح ببيع المملكة طائرات F-35 ودبابات نوعية، عَمَّق الشراكة، وجعل من المملكة حليفاً رئيسا خارج حلف الناتو، وسيسهم في خلق منظومة ردع تسهم في تعزيز الأمن الإقليمي ودعم جهود السلام والاستقرار العالمي.

أما الشراكة الإستراتيجية للذكاء الاصطناعي فستسهم في بناء القطاع التكنلوجي، وتعزيز الإبتكار والتقدم التقني، وستلبي حاجة المملكة للخبرات، وتوفير أشباه الموصلات المتقدمة، وبناء وتطوير البنى التحتية المتقدمة للذكاء الاصطناعي، ومراكز البيانات الضخمة، وبما يجعل من المملكة مركزاً تقنيّاً واقتصاديّاً دوليّاً متقدماً.

المواءمة بين طرح الفرص النوعية ذات العوائد المرتفعة المنبثقة عن رؤية السعودية 2030 وضخ الاستثمارات السعودية في القطاعات ذات العلاقة في السوق الأميركية، والربط الوثيق بين تدفق الإستثمارات وتفعيل الإتفاقيات المتفق عليها، تكشف عن عمل منظم، ورؤية إستراتيجية، رسمت أهداف الزيارة بعناية تامة، وضامنة لتحقيق النتائج المرجوة منها.

في المؤتمر الصحفي الذي عقد في البيت الأبيض، قال ولي العهد «نحن لا نخلق فرصا وهمية لإرضاء أمريكا أو إرضاء الرئيس ترامب، إنها فرص حقيقية.. وعندما تسأل عن الذكاء الاصطناعي والرقائق، فإن المملكة العربية السعودية لديها طلب هائل، وحاجة ماسة للقوة الحاسوبية. وهذه هي الحقيقة الثابتة، فمصالح المملكة مقدمة على ما سواها، ومن أجل تحقيقها، تتم المحادثات الثنائية وتُدار مفاوضات الشراكة الإستراتيجية، مع الدول المستهدفة.

دخل ولي العهد البيت الأبيض بمستهدفات محددة، مرتبطة بالشأن الاقتصادي والإستثماري، والأمن الإستراتيجي، والبناء العسكري، والطاقة النووية المدنية، والتكنلوجيا، ومشروعات البنية التحتية المرتبطة بها. وخرج باتفاقيات إستراتيجية معززة للشراكة ومحققة للمستهدفات الرئيسة. لم يكن الأمر مرتبطا بضخ استثمارات ضخمة لإرضاء أميركا أو ترمب، بل هي إستثمارات محققة لمستهدفات المملكة، ومتطلبات الأمن الوطني و بناء المستقبل على أسس معرفية داعمة للتحول الاقتصادي، وتنويع مصادر الاقتصاد، وبناء الاقتصاد الرقمي.

استقبال استثنائي مهيب، حظي به ولي العهد، وتعامل خاص من الرئيس ترمب، الذي تخلى لأول مرة عن تصرفاته المفاجئة لضيوف البيت الأبيض من زعماء العالم، فغلبت عليه الدبلوماسية، أو ربما الانضباطية في الحديث ولغة الجسد.

تحدث الأمير محمد بن سلمان بثقة الزعماء، مدعومة بحضور ذهني، واستحضار لأرقام الإنفاق المستقبلي والطلب المتوقع في القطاعات المستهدفة التي استشهد بها، والأهداف، والصفقات التي تسعى المملكة لتحقيقها، و قدمها بلغة واضحة، واحترافية إعلامية، مكنته من الرد على من حاول إحراجه باستحضار ملفات أغلقت، وتم تجاوزها إلى مرحلة متقدمة من العلاقات الثنائية المتميزة القائمة على الثقة المتبادلة، والمصالح المشتركة. لم يسمح الأمير محمد بن سلمان، للرئيس الأميركي بتولي مسؤولية الرد عنه، في أكثر الملفات حساسية، والتي تم إغلاقها قضائيا، ملف خاشقجي، والحادي عشر من سبتمبر، بل أصر على إجابة السؤال بشفافية مطلقة، ربما ساهمت في وأد ما تبقى من محاولات موجهة مستقبلا، لإثارة الملفين لأهداف خبيثة لا علاقة لها بالحقوق، أو تحقيق العدالة التي يدعونها، وهم أول المخالفين لها.

تطوير قدرات المملكة العسكرية، والتكنلوجية، وتحفيز الإستثمارات الأجنبية لاغتنام الفرص الجاذبة، وبناء إقتصادها على قاعدة صلبة من التنوع، والبدء في تنفيذ البرامج المحققة لمتطلبات اقتصاد المعرفة، من أهداف ولي العهد الرئيسة، والمستفيدة من تطوير الشراكة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة. وهي إستفادة لن يتوقف نفعها على المملكة بل ستنعكس إيجابا على المنطقة، حيث يسهم تفوق المملكة العسكري والتكنلوجي والإقتصادي في دعم أمن وإستقرار وإزدهار المنطقة، لما تتمتع به من موثوقية، ومسؤولية، ونوايا حسنة تجاه الجميع، ما يجعلها أكثر قدرة على المشاركة في إعادة صياغة مستقبل الشرق الأوسط، ورسم ملامحه المستقبلية، وتحقيق أمنه واستقراره، وتوجيه تفوقها لدعم التنمية الشاملة والازدهار في المنطقة.

 

نقلا عن الجزيرة