التكامل الثلاثي: خطوات مدروسة لمستقبل طاقة مستدام

25/11/2025 0
د. إبراهيم بن محمود بابللي

إن تقييم الحاجات الأساسية الملحة متعددة القطاعات الذي قامت به الأمم المتحدة (UN Multi-Sector Needs Assessments) للوضع الإنساني في سوريا أظهر أن الكهرباء كانت من الحاجات العشر الأساسية الأولى في العقد الماضي، ووصلت أهميتها إلى المرتبة الثالثة عام 2021. وللتعامل مع هذه الحاجة الملحّة، اعتمد كثير من السوريين مصادر توليد صغيرة مثل الألواح الشمسية ومولدات الديزل وبطاريات السيارات، ولكن هذه الحلول – مع نجاحها في توفير بدائل مؤقتة – كانت حلولاً فردية أو مكلفة للغاية. فعلى سبيل المثال: استُخدِم 1200 مولد ديزل لتوليد الكهرباء في مدينة حلب بسعة إجمالية 240 م.و.، كما شاع استخدام الألواح الشمسية الكهروضوئية بشكل كبير، ولكن غالبيتها كانت استخدامات فردية متفرقة.

كما واجهت منظومة النقل البري تحديات مختلفة، لعلّ أهمها توفر الوقود – بكميات وأسعار تنافسية – للنقل الخفيف والثقيل. ومن التحديات التي تواجه قطاع النقل حالياً قلّة عدد محطات الوقود التجارية مقارنة بالزيادة الكبيرة التي حصلت في أعداد السيارات، كما لا يتوفر الوقود المناسب بالكميات المناسبة لأن سعة المصفاتين في سوريا (في حمص وبانياس) محدودة حالياً بسبب حاجتهما للصيانة والتأهيل، مع انخفاض إنتاج النفط السوري إلى أقل من الربع، و وجود تحديات جيوسياسية واستثمارية تواجه إعادة تفعيل قطاع النفط السوري. كل هذه الأمور تجعل فاتورة الوقود المستخدم في منظومة النقل، خاصة البري، عبئاً مالياً كبيراً على الاقتصاد السوري، سواء تم تأهيل المصفاتين واستخدمتا لتكرير الوقود أو باستيراد البنزين والديزل مباشرة.

وإن أكبر مستهلك للطاقة الأولية (هي إجمالي الطاقة المُستخدمة بشكلها الأولي، مثل النفط أو الغاز أو مياه السدود) بجميع أنواعها في سوريا هو قطاع النقل، حيث يصل الاستهلاك إلى قرابة %32 ، في حين أن استلاك القطاعين الصناعي والسكني تساوي قرابة 23 % لكل منهما.

هذه التفاصيل شكّلت الدافع لإيجاد حلّ غير تقليدي لمعضلة توليد الكهرباء وتقليص استهلاك الوقود السائل والغازي. هذا الحل غير التقليدي مبني على تكامل ثلاثي نلخصه كما يلي:

1. الكهرباء من الطاقة الشمسية للاستخدام السكني: توليد الكهرباء داخل الأحياء، والتكامل مع الأحياء المجاورة، باستخدام شبكات محلية (جُزُر الطاقة)

2. شحن السيارات الكهربائية من الكهرباء المولّدَة بالطاقة الشمسية: استخدام السيارات والحافلات الكهربائية للنقل الخفيف، ونشر محطات الشحن الكهربائية في المدن التي تُولّد فيها الطاقة الشمسية

3. تخزين الطاقة في وسائل النقل الكهربائية: استخدام السيارات/الحافلات الكهربائية لتخزين الكهرباء وتزويد شبكة الحي بها في المساء

إن أهم مكوّنين للمنظومة المقترحة هما الطاقة الشمسية والسيارة/الحافلة الكهربائية، باعتماد شبكات الأحياء الصغيرة:

المكوّن الأول: تُولّد الكهرباء من ألواح الطاقة الشمسية الكهروضوئية المركبة على أسطح البيوت، وفي المدارس، والحدائق، والمجمعات التجارية، والأراضي المتاحة، وفي مناطق زراعية قريبة، بحيث يكون التوليد في الحي نفسه أو بالقرب منه، مما يحد من الاستثمار في نقل وتوزيع الكهرباء، ويقلل من الفقد أثناء النقل والتوزيع، ثم تُربط منازل الحي بشبكة صغيرة (Microgrid) لإيجاد "جزيرة طاقة"، وتربط شبكة الحي بالأحياء المحيطة بها، لربط "جُزُر الطاقة" المتجاورة.

المكون الثاني: عند إطلاق هذه المبادرة، ستواجه الأحياء انقطاعاً في الكهرباء عند غروب الشمس لعدم توفر آلية مناسبة لتخزين الكهرباء. يُحل التحدي تدريجياً باستخدام البطاريات لتخزين الكهرباء، ويمكن استخدام البطاريات الكبيرة (بطاريات الأحياء)، ولكنها مكلفة. كما يمكن استخدام بطاريات السيارات/الحافلات الكهربائية، كما رأينا في الأمثلة التي ذكرناها في المقالة السابق. ولعل أهم دافع لاستخدام السيارات/الحافلات الكهربائية في تخزين الكهرباء لتوفيرها للمنازل بعد الغروب، أن الاستخدام الأصلي للسيارات والحافلات دافعه النقل، فيكون الاستثمار فيها مردّه إلى حاجة الأسر للسيارات والمدارس وشركات النقل وغيرها للحافلات. ومع انخفاض تكلفة السيارات/الحافلات الكهربائية وارتفاع كفاءة بطارياتها وزيادة عددها، تنتفي الحاجة للاستثمار في بطاريات كبيرة مكلفة، مما سيقلل من تكلفة الكهرباء على المستهلك النهائي.

ولِنُلقِ نظرة سريعة على بعض تفاصيل هذين المكوّنين: إن متوسط استهلاك الأسرة السورية اليومي يساوي تقريبا 30 ك.و.س. أي أن متوسط استهلاك الكهرباء يساوي 1.25 ك.و.س. في الساعة الواحدة. وتتراوح سعة بطاريات السيارات الكهربائية بين 40 و 130 ك.و.س.، أي أن استخدام بطاريات السيارة الكهربائية لتوفير الكهرباء للمنازل بعد غروب الشمس ممكن عملياً ولا يستهلك كل شحن البطارية. ولكن استخدام بطارية السيارة الكهربائية لتوفير الكهرباء للمنازل، أو المجمعات السكنية، يحتاج عدداً من الأمور، أهمها:

  •  ربط شاحن السيارة الكهربائية بشبكة كهرباء المنزل، أو الشبكة المحلّية.
  •  استخدام محول من AC إلى DC لاستخدامه في منظومة شحن "من السيارة للمنزل" (V2H)، والعكس.
  •  أن تكون بطارية السيارة ثنائية الشحن، أي أن تُشحَن عندما تحتاج للكهرباء، وتَشحَن عندما تستخدم لتوليد الكهرباء.
  •  استخدام منظومة قياس وتحكم مناسبة.

ومع أن الحل الأمثل غالباً لتوليد الكهرباء في المدن هو من ألواح الطاقة الشمسية الكهروضوئية، لكنه ليس الخيار الوحيد، إذ تتوفر في سوريا خيارات عدة لتوليد الكهرباء من الطاقة المتجددة للاستهلاك السكني. ففي المناطق الجبلية يمكن استخدام طاقة الرياح، وفي التجمعات الريفية والزراعية، يمكن توليد الكهرباء من الكتلة الحيوية الناتجة عن مخلفات الزراعة والصناعات الغذائية، مثل: صناعة الزيتون.

إن اقتراح كهربة النقل الخفيف يشمل السيارات والحافلات والشاحنات الصغيرة. وبالنظر إلى أن الحافلات والشاحنات يكون لها عادة مكان تَجَمّع تنطلق منه وتعود إليه، فإن فرص شحنها في أماكن مركزية أكبر من السيارات الخاصة في المراحل الأولى من تطبيق المقترح. وإن انتشار السيارات الكهربائية سيقلل من الاستثمارات الضخمة في تكرير النفط، أو استيراد الوقود بأنواعه، مما سيعظم من عوائد النفط. كما سيخفف من الأثر البيئي للنقل.

ونختم بالإشارة إلى أن السيارات الكهربائية بسيطة التصميم وغير معقدة، فيمكن البدء باستيرادها ثم استهداف تجميعها ثم تصنيع جزءٍ كبير من مكوناتها محلياً. كما يمكن توطين جزءٍ لا بأس به من صناعة توليد الطاقة الشمسية. وإن المحتوى المحلي لمنظومتي النقل الخفيف وتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية يشمل نسبة محددة من التصنيع والتجميع، كما يشمل التركيب والتشغيل والصيانة، وهذا سينتج عنه حراك اقتصادي وخلق وظائف متميزة، بالإضافة إلى الأثر الإيجابي على ميزان المدفوعات الحكومية المتجددة.

 

خاص_الفابيتا