مبادرة مستقبل الاستثمار.. واقتصاد المعرفة

05/11/2025 0
فضل بن سعد البوعينين

كان لافتا هيمنة الذكاء الاصطناعي، وقطاع التكنولوجيا عموما على فعاليات «مبادرة مستقبل الاستثمار» الذي اختتمت أعمالها الأسبوع الماضي، بما يشير إلى توجه المملكة لصناعة المستقبل من خلال التوسع بالإستثمار في قطاع التكنولوجيا، وبناء مراكز البيانات، وإطلاق مرحلة مهمة من مراحل بناء إقتصاد معرفي متكامل، و تعزيز مكانتها كمركز عالمي للإستثمار عموما، والإستثمار في قطاع التكنولوجيا على وجه الخصوص، وتوجيه إستثماراتها، وإستثمارات القطاع الخاص، نحو قطاعات المستقبل، ومشروعاته النوعية.

خلال زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخيرة للسعودية، أشار سمو ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان، في كلمته التي ألقاها في المنتدى الاستثماري السعودي الأميركي، «إن المملكة تعمل اليوم على تعميق هذه الشراكة الاستراتيجية والانتقال من اقتصاد قائم على الموارد الطبيعية إلى اقتصاد متنوع يعتمد على المعرفة والابتكار». وهذا ما تستهدفه رؤية 2030 التي ركزت على تنويع مصادر الاقتصاد والدخل، والتحول التدريجي نحو الاقتصاد المعرفي، الذي بدأ بخطوات مدروسة، ومتزامنة مع التحولات العالمية، والمتغيرات التكنولوجية المتسارعة.

شكل إطلاق شركة «هيوماين» بداية الإستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي، وكشف عن توجه المملكة المستقبلي، واستهداف الشركة لتطوير حلول وتقنيات الذكاء الاصطناعي وإدارتها، وبناء جيل جديد من مراكز البيانات، والبنية التحتية للحوسبة السحابية، والاستثمار في منظومة القطاع، والتحول الرقمي المدعوم بقاعدة من صناعات الثورة الرابعة، المسيطرة على مستقبل الاقتصاد العالمي.

تطمح هيوماين، لأن تصبح ثالث أكبر مزود لقدرات الحوسبة في العالم، بعد الولايات المتحدة والصين، ما يعكس المستهدفات الحكومية الطموحة، ذات العلاقة بالقطاع التكنولوجي والإقتصاد المعرفي.

استحواذ شركة النفط العملاقة، أرامكو السعودية، على حصة أقلية في «هيوماين» يعكس اهتماما أكبر من شركات النفط، بالذكاء الإصطناعي، يؤكد ذلك تصريحات الرئيس التنفيذي أمين الناصر خلال إحدى جلسات منتدى مستقبل الإستثمار، التي أشار فيها إلى أن عنصر الذكاء الاصطناعي والرقمنة سيكون حاسماً في عمليات الشركة، التي تستثمر أيضا في التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي، والرقمنة، وهي مجالات تحقق للشركة قيمة كبيرة نتيجة الإستثمارات طويلة الأمد.

بعد تسع سنوات من إطلاق رؤية السعودية 2030، بَدَت الصورة أكثر وضوحاً لمستقبل الاقتصاد السعودي الذي دخل مرحلة النضج في التعامل مع المتغيرات الاقتصادية المحلية و العالمية، ونمو الأنشطة غير النفطية وإرتفاع مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي، واعتماده على التدفقات الإستثمارية، وأصبح أكثر قدرة على توجيه الإستثمارات نحو القطاعات الأهم، بعد تنفيذ مشروعات البنية التحتية، والمشروعات الكبرى، التي شكلت فيما بينها قاعدة التحول والتنوع الاقتصادي في المملكة.

ارتبطت تصريحات المسؤولين في الندوات، واللقاءات الإعلامية التي عقدت على هامش المنتدى، بقطاعات المستقبل، وتوجيه الإستثمارات نحوها، وإستكمال المشروعات القائمة وبما يسهم في دخولها الاقتصاد وتحولها من مشروعات تستحوذ على الإنفاق الحكومي إلى مشروعات مدرة للدخل.

وزير الاقتصاد فيصل الإبراهيم أكد في المنتدى، إن «ما يجب القيام به خلال السنوات الخمس المقبلة قبل عام 2030 أكبر مما تم إنجازه حتى الآن، وسينطلق من سياسة إنفاق أكثر ذكاء، ومنهجٍ إصلاحي يربط الإنفاق بالإنتاجية لا بالإنفاق وحده».

الإنفاق الذكي، والموجه نحو المشروعات المنتجة، هو ما يحتاجه الاقتصاد اليوم، بعد مرحلة التأسيس والإصلاحات الهيكلية للإقتصاد. الربط بين الإنفاق والإنتاجية سيسهم في بناء قاعدة من الأصول المنتجة، أو الداعمة لها، وبما يحقق مستهدفات تنويع مصادر الدخل، وخلق إيرادات مهمة لرفد الميزانية العامة، ويسهم في تنويع الاقتصاد ودعمه، وتحفيز قطاعاته بمحركات داخلية ومستدامة.

يمكن المواءمة بين تصريح وزير الاقتصاد، وتصريحات سابقة لسمو ولي العهد، التي ذكر فيها أن المصلحة العامة هي البوصلة العليا التي توجه مسار تنفيذ برامج المملكة الاقتصادية، وأن الحكومة مستعدة لإجراء أي تعديل جذري أو حتى إلغاء كامل لأي برنامج أو مستهدف لا يخدم الأهداف.

تصريحات مهمة، تؤكد كفاءة الإدارة الاقتصادية والمالية، التي تدار بحكمة تتجاوب مع المصلحة الوطنية، والمتغيرات المؤثرة. لذا يمكن النظر لسياسة توجيه الإستثمارات نحو القطاعات المهمة للإقتصاد، والقطاعات المساندة لها، بما فيها القطاعات المعززة لبناء الاقتصاد المعرفي، الذي تراهن عليه المملكة، وتضعه ضمن مستهدفاتها الرئيسة، على أنها مرحلة جديدة من مراحل التحول الاقتصادي وبناء المستقبل، بعد أن تكللت مراحل التأسيس الأولى بالنجاح.

 

نقلا عن الجزيرة