سيولة على الأبواب أم ضجيج عابر؟ بيتكوين بين نهاية الإغلاق ووعود عائد التعريفات الجمركية

13/11/2025 0
أحمد عزام

في أسبوع واحد تبدّل المشهد السياسي-المالي في واشنطن على نحوٍ يحرّك شهيّة المخاطرة: تصويت في مجلس الشيوخ بأغلبية 60–40 لوضع مسارٍ لإنهاء إغلاقٍ حكومي دام 41 يوماً، يتزامن مع طرحٍ رئاسي لمقترح عائد التعريفات الجمركية بقيمة 2000 دولار لكل مواطن، بصيغ قد تتراوح بين تحويل نقدي مباشر وإعفاءات ضريبية. الأسواق التقطت الإشارة سريعاً؛ العقود الآجلة للأسهم تقدّمت، الملاذات الآمنة تماسكت، وبتكوين ارتدت القليل من زخمها كأصل يتنفس على السيولة حين تُزال العوائق المؤسسية. غير أنّ المسافة بين العنوان العريض ودورةٍ صاعدةٍ مكتملة تُقاس بالتنفيذ، لا بالتصريحات.

واشنطن تُخرج العامل النفسي من المعادلة

إقرار إجرائي في الشيوخ، توقعات راجحة بإنهاء الإغلاق خلال أيام، وبيئة مراهنات تُسوّق لاحتمالٍ يتجاوز التسعين بالمئة لعودة الحكومة إلى العمل. حتى قبل صدور التوقيع النهائي، تحرك التسعير عبر الطبقات: شهية مخاطرة أعلى في الأسهم، انحسارٌ نسبي في طلب الأمان على منحنى الخزانة، وارتداد لافت لبيتكوين مع عودة الوضع الطبيعي في إدارة الدولة وتمويلها. المنطق بسيط ومؤثر: إعادة فتح الحكومة تعني عودة سلسلة البيانات الاقتصادية المنتظمة، واستئناف المدفوعات الفدرالية المتوقفة، وتدفقات مباشرة وغير مباشرة إلى الدورة الاقتصادية. حين تُزال طبقة الضباب المؤسسي، يسهل على مديري الأموال رفع الأوزان في الأصول عالية البيتا—والكريبتو يتقدم القائمة.

التاريخ يلوّح بأرقام مغرية… لكن السببية ليست مؤكدة

الإغراء واضح: في نهايتي إقفالي 2018 و2019، سجّلت بتكوين موجتين صاعدتين بنحو 96% و157%. غير أنّ القراءة الرصينة تميّز بين تزامن مفيد وسبب حاسم. تلك القفزات لم تُولد من الفتح الحكومة وحده، بل جاءت على خلفية تحولات أوسع في المزاج الماكرو: مسارات فائدة أكثر مرونة، تعافي شهية المخاطرة عبر الأصول، وتدفّقات مؤسساتية تبحث عن بدائل تحمي من تآكل القوة الشرائية. اليوم، قد يكرّر التاريخ قسمه النفسي—إزالة حواجز وتخفيف قلق—لكن استدامة المسار مرهونة بمتغيّراتٍ ثلاث: اتجاه العوائد الحقيقية، إيقاع التيسير النقدي، وحجم التحفيز المالي الفعلي حين يتحول المقترح إلى قانون نافذ.

عائد التعريفات الجمركية: تحفيز مالي… وأشكال متعددة للضخ

مقترح الـ2000 دولار قد يرتدي أكثر من ثوب: تحويلات مباشرة، إعفاءات ضريبية عامة، أو صيغ جزئية من نوع «لا ضريبة على الإكراميات». أيّاً كانت القناة، النتيجة واحدة في جوهرها: ضخ عشرات إلى مئات المليارات في شرايين الاستهلاك والادخار، ما يخلق سيولة هامشية تبحث عن تعظيم العائد. تاريخياً، مثل هذه الضخات تُترجم إلى طلب زائد على الأصول المتحسسة والمتحمسة للسيولة—من الأسهم الدورية إلى الذهب، ومنصّات الكريبتو التي تُسهّل للمستثمر الفرد إعادة توزيع فوائضه بسرعة. لكن السياسة فن المُهل؛ وكل تأخيرٍ تشريعي أو تمييع في الحجم يُضعف الأثر النفسي ويحول الاندفاعة الأولى إلى حركة تصحيحية قصيرة.

من الجيب إلى البلوك شين: كيف تعبر السيولة إلى بتكوين؟

قناةٌ أولى عبر الميزانيات الأسرية: دفعاتٌ نقدية أو تخفيفٌ ضريبي يرفعان الادخار الحرّ، فتتجه نسبةٌ منه تلقائياً إلى وسطاء التجزئة ومنتجات الكريبتو. قناةٌ ثانية عبر عبور مقصود للمخاطرة: كلما تراجعت العوائد الحقيقية أو هدأت تقلبات السندات، زادت رغبة مديري المحافظ في رفع أوزان الأصول عالية البيتا، وبيتكوين تستفيد بوصفها بيتا سيولة بامتياز. قناة ثالثة عبر المؤسّسات: انكشاف الضباب عن البيانات واستقرارُ الإطار المالي-النقدي يبرران داخلياً رفع التعريض لأصول كانت خارج التفويض زمن الشلل الحكومي. هذه القنوات لا تعمل بالتزامن ذاته، لكنها تفسّر لماذا يمكن لعنوانٍ سياسي واحد أن يحرّك أكثر من طبقة سعرية في آن.

صورة السوق الآن: تماسكٌ سعريّ… وعرض يتقدّم بخطى أسرع

حتى كتابة هذه السطور، ظلّت بتكوين مستقرةً فوق العتبة النفسية 100 ألف–105 آلاف دولار، برغم قفزةٍ في تدفّقات البيع من المحافظ القصيرة الأجل إلى البورصات بمعدّلٍ يومي قارب 1300%، وعودة جزئية لبعض الحائزين القدامى إلى جني الأرباح. هذا التباين—ثبات السعر مقابل زيادة المعروض القابل للبيع—له قراءتان: إما أن الطلب الفعال يمتص العرض ويُراكم قوةً كامنة لاختراق أعلى، أو أنّ السوق تبني قمة قصيرة الأجل على أرضية رخوة تحتاج تنفيساً قبل محاولةٍ جديدة. الفصل بين الروايتين لا يكون بالانطباع، بل بمتابعة سلوك الفروقات: التمويل في المشتقات، الفروقات على عقود الأساس، وصافي التدفقات إلى الصناديق المتداولة.

نافذة 2026 ومخاطر التصحيح الصحي

على الإطار الأوسع، تقترب دورة السيولة البالغة 65 شهراً من ذروتها المفترضة في الربعين الأول والثاني من 2026. تاريخياً، بلوغ قممٍ دورية على خلفية تقييماتٍ ساخنة يُبرّر تصحيحاً متوسطاً في حدود 15–20% قبل استئناف المسار، لا سيما إذا تسارع الخبر التحفيزي أسرع من قدرة الطلب الجديد على ابتلاع العرض. المفارقة أن التحفيز المالي نفسه يملك حدّين: يرفع الإيرادات الاسمية للشركات ويُسند المخاطرة، لكنه قد يُبقي الضغوط السعرية حيّة، ما يقيّد وتيرة التيسير النقدي.

ما الذي نراقبه لتمييز الاختراق من الفخ؟

ثلاث إشاراتٍ فاصلة خلال الأسابيع المقبلة: أولاً، اتجاه العوائد الحقيقية الأميركية؛ هبوط منظّم ومتدرّج يعني أوكسيجيناً وفيراً لبيتكوين وبقية الأصول عالية البيتا. ثانياً، المسار التشريعي: كل خطوة ملموسة نحو إنهاء الإغلاق وصياغة «عائد التعرفة» في قانون قابل للتنفيذ تُترجم سريعاً إلى تسعير سيولة. ثالثاً، ميزان التدفقات: صافي دخول متكرر إلى منتجات الكريبتو المؤسسية وأسواق المشتقات، مع انحسار في علاوات المخاطر على الملاذات، يعلن انتقال السوق من ارتداد العنوان إلى مسارٍ زاخم بالطلب.

نعم إنهاء الإغلاق يُزيح عائقاً نفسياً ويعيد انتظام البيانات، وعائد التعرفة—بأي صيغةٍ أتى—يعد بضخ سيولةٍ جديدة. هذا مزيج كاف لإطلاق موجةٍ صاعدة متدرجة في بتكوين، بشرط أن يتجسّد في قرارات

وتشريعات لا في شعارات. أمّا إذا طال الجدال وتبدّدت الجرعات، فتصحيح صحيّ قبل المحاولة التالية يظلّ السيناريو الأقرب—ليس تكراراً آلياً لسنواتٍ سابقة، بل نسخة محدثة تكتبها السيولة حين تعود… أو تتأخر.

 

خاص_الفابيتا