أسطورة دورة «الأربع سنوات»… ولماذا تُشير البوصلة إلى دورة خماسية أطول نفسًا للكريبتو

23/10/2025 0
أحمد عزام

ترسخت في الوعي الجمعي لأسواق الأصول الرقمية قصةٌ بسيطة وسهلة الحفظ: «تنصيف» بيتكوين يضغط العرض كل أربع سنوات، فتشتعل موجة صعود سعرية قوية، ثم يأتي شتاء قارص. غير أنّ تفكيك حلقات 2013 و2017 و2021 يقدّم رواية أدق: الذي يُحرِك الدورات ليس التقويم بل السيولة - حين ترخص كلفة المال، وتنخفض العوائد الحقيقية، وتتّسع قنوات الدخول، وتسترخي شروط المخاطر. بعد صدمة كوفيد وتشديد 2022 تبدّل هيكل التدفقات من «فيضان فومو» إلى تدفقات منظمة عبر منتجات وحواضن مؤسسية. تلك النقلة تُطيل الإيقاع من رباعي إلى خماسي - دورة تُبنى ببطء على تحسن تدريجي في شروط التمويل واتّساع البنية.

كيف وُلدت أسطورة دورة الأربع سنوات… ولماذا بدت مُقنعة طويلًا؟

بدت مصادفةٌ ملفتة لعقدٍ كامل وكأنّها قانون طبيعي: تنصيفٌ كل أربع سنوات يتبعه ازدهارٌ مُسعَرٌ بالخيال، ثم انهيارٌ يُعيد تقييم كل شيء (2013/2014، 2017/2018، 2021/2022). هذا التكرار المنتظم أغرى بتقليد البرمجة باعتبارها مُحرّك الدورة. لكن الأسواق لا تتحرّك على إيقاع الساعة الجدارية؛ بل على جدولٍ من المتغيّرات الكلّية: تدفق السيولة، وتكلفة رأس المال، ومدى انتقال المخاطر عبر القنوات التمويلية، واتّساع منافذ الوصول. حين تتراصف هذه العناصر في اتجاه داعم - كما حدث قبل كل موجة كبرى - تعمل كرافعة تتجاوز أي صدمة عرض ميكانيكية في عملة واحدة، حتى وإن كانت العملة هي بيتكوين.

ثغرتان جوهريتان في سردية "التنصيف يقود السعر"

أولًا، تضاؤل الأثر الحدّي: التحوّل من 50 إلى 25 بيتكوين/كتلة في البدايات كان صدمة عرض على سوق ضحلة، أمّا اليوم فالقَطع من 6.25 إلى 3.125 يجري في محيطٍ أعمق وبوجود أطراف تمويل ومشتقات تُبدّد صدمة الإمداد على مدى أطول. ثانيًا، اختبار إيثريوم: الدمج في 2022 خفّض انبعاثات ايثيريوم نظريًا بما يُقارب تنصيف، ومع ذلك تدهورت نسبة الايثيريوم مقابل البيتكوين في الأشهر التالية. لو كانت ميكانيكا العرض وحدها تصنع الدورة لرأينا تفوّقًا بنيويًا لإيثريوم. الذي رأيناه فعليًا يؤكّد أنّ الماكرو والسيولة يحكمان الإيقاع.

حين تتكلّم السيولة: تشريح حلقة 2013

تزامن تيسير كمي أمريكي كثيف مع تيسيرٍ نوعي ياباني، فانخفضت العوائد الحقيقية إلى مناطق تدفع المستثمرين قسرًا نحو المخاطرة. بالتوازي، فُتحت قنوات دخولٍ جديدة: تسهيلات مصرفية/دفعية صينية إلى بيتكوين، وتوسّع سريع في بورصاتٍ عابرة للحدود. هكذا تجمّعت عناصر مثالية مختلفة: مالٌ رخيص، قناة وصول سهلة، وسردية تقنية ناشئة. ما أطفأ الشعلة لم يكن «نهاية مفعول التنصيف»، بل انعكاس السيولة: إعلان «تقليص المشتريات» الأمريكي، تشديدٌ تنظيمي صيني مفاجئ، وانكشاف هشاشة البنية مثل انهيار Mt.Gox . السيولة هي التي أشعلت - ثم أطفأت.

تزامن التيسير مع الابتكار المالي في 2017

على الضفة النقدية، اشترى البنك المركزي الأوروبي سندات بمعدلاتٍ شهرية كبيرة، وأبقى بنك اليابان عوائد السندات الطويلة قرب الصفر (YCC)، وضعُف الدولار، فتدفقت شهية المخاطر. وعلى الضفة السوقية، جاء معيار ERC-20 ليُبسّط إصدار الرموز، فاشتعلت موجة ICO، وأتاحت مشتقاتٌ تعمل 24/7 رفعًا ماليًا مُضاعفًا، فيما سهّلت بورصات عالمية الدخول التجزّئي والمؤسسي. ثم جاء عام 2018 بـرفعٍ متتالٍ للفائدة وبدء «تشديدٍ كمي»، مع إطلاق عقود بيتكوين الآجلة التي أعطت السوق أخيرًا منفذًا مؤسسيًا للبيع والتحوّط. مرةً أخرى: التيسير أشعل، والتشديد أطفأ.

ربيع السيولة التاريخي في 2021… وأسرع تجفيف في 40 عامًا

تحفيزٌ مالي ونقدي غير مسبوق بعد الجائحة، عوائد حقيقية سالبة بعمق، انفجار في العملات المستقرة وDeFi وNFTs، وقنوات شراءٍ شاملة من منصّات المدفوعات إلى الوسطاء التقليديين. كانت تلك لحظة «فائض السيولة» التي رفعت كل القوارب - من الأسهم إلى المساكن إلى الكريبتو. ثم انقلب المشهد في 2022: أسرع دورة رفعٍ للفائدة منذ عقود، بداية «تشديدٍ كمي»، ارتفاعٌ حاد في الدولار، وتفكّكٌ متسلسل للرافعة في النظام البيئي للأصول الرقمية. لم يكن التقويم من قاد الانعطاف؛ بل درجات حرارة السيولة.

ما المختلف اليوم… ولماذا لا تنطبق «خرائط» الماضي؟

لا نرى اليوم دفعة ماكرو مشابهة لقمم 2013/2017/2021: شروط التمويل بقيت من «محايدة» إلى «مُشدِّدة» معظم 2022–2025. ومع ذلك بلغ بيتكوين قممًا تاريخية لأنّ هيكل التدفقات تغيّر: منتجات فورية مُنظَّمة، حفظ أمين تقليدي، قنوات وساطة وتقاعد، ومستشارون ماليون يُخصّصون حِصصًا صغيرة لكنها ثابتة ومتكرّرة. هذه ليست «فومو» يصعد ويهبط كالموجة؛ إنما تيار قاعدي بطيء يُبقي الاتجاه صاعدًا ويُسطّح دورات العملات البديلة. في المقابل قادت أسهم الذكاء الاصطناعي مسار الأسهم العالمية عبر إنفاقٍ رأسمالي سرديّ، أي مسار مستقل عن محرّكات الكريبتو الكلّية التقليدية.

لماذا تُرجّح المعطيات دورة خماسية أطول نفسًا؟

التحوّل من ذروة التشديد إلى تيسيرٍ تدريجي - مرشّح للتعاظم خلال 2026 - يعني أنّ شرط التمويل لن ينقلب دفعةً واحدة كما في 2021، بل سيُحسّن البيئة بجرعاتٍ ممتدة تُطيل حياة الاتجاه. ومع تراجع عوائد الملاذات، تُضطر تريليونات في صناديق النقد إلى البحث عن عائدٍ مُخاطر، فتتسلل حصص منتظمة نحو العملات الرقمية عبر أطر تنظيمية مألوفة. بالتوازي، يتصاعد التبنّي المؤسسي البطيء وفق سياسات تخصيص استراتيجية لا تزدهر ولا تتبخّر مع عناوين الأسبوع. هذا المزيج يُنتج دورةً أطول لا تحتاج شرارة «تنصيف» لتعيش.

لا تحترم التقويم فقط… راقب حرارة السيولة

الدورات السابقة بدت رباعية لأنّ السياسة صادفت التقويم - لا لأنّ التقويم حكم السياسة. بعد كوفيد وتشديد 2022 تبدّل تفكير السوق: من فومو عابر إلى تدفقاتٍ منظَّمة تُلائم المحافظ الثقيلة وتكره القفزات القصوى. هذه البنية تُرجح دورة خماسية أطول نفَسًا، تُبنى لبنة لبنة مع تحسّن شروط المال واتّساع قنوات الوصول. وعليه، فإنّ السؤال الصحيح ليس: «متى التنصيف المقبل؟» بل: إلى أين تتّجه السيولة؟ وكيف تتحرّك العوائد الحقيقية والدولار والتدفّقات؟ هناك - لا في التقويم - تُكتَب الحكاية التالية للكريبتو.

 
خاص_الفابيتا