أبحاث سياسات التعليم: تعريفات

30/12/2025 0
د. إبراهيم بن محمود بابللي

تُعرّف السياسة التعليمية في وثيقة سياسة التعليم بالمملكة العربية السعودية بأنها "الخطوط العامة التي تقوم عليها عملية التربية والتعليم أداءً للواجب في تعريف الفرد بربه ودينه ولإقامة سلوكه على شرعه، وتلبية لحاجات المجتمع، وتحقيقاً لأهداف الأمة".

سياسات التعليم تشمل السياسات العليا المنظّمة لقطاع التعليم بأكمله، وكذلك السياسات المخصصة للتعامل مع موضوع فرعي، مثل: النقل المدرسي. وإنك إن بحثت – أيها القارئ الكريم – عن تعريفِ سياسات التعليم في الأبحاث والمراجع المنشورة ستجد التعريف الأكثر تداولاً هو: "الإطار المحدِّد للنظام التعليمي والموجِّه له” (أو صياغة قريبة من هذه الصياغة)، ويُقصد به السياسات العليا. وليس هذا ما نعنيه في هذه السلسلة من المقالات، بل سيكون حديثنا عن سياسات فرعية ومحددة تحت مظلة قطاع التعليم، مع التركيز على عدد من السياسات التي نراها حجر الزاوية لتطوير قطاع التعليم. 

إن القيام بأبحاث سياسات التعليم يتطلب دراسة منهجية تستخدم المعلومات المتاحة، والآراء المختلفة، والخلفيات التاريخية، والواقع الاجتماعي، والبيانات والأدلة، والمتغيرات الاقتصادية  (مثل: اقتصاد المعرفة) والتقنية (مثل: التحول الرقمي) والدولية (مثل: التنمية المستدامة)، والنماذج الحاسوبية، والاستبانات، وغيرها من أدوات البحث، لفهم القضايا التعليمية، وتقديم توصيات لرفع كفاءة منظومة التعليم، أو جزءٍ منها. إن أبحاث سياسات التعليم، باختصار، هي عملية جمع الحقائق وتحليل المعلومات لمعرفة:

•التحديات (What) التي تواجه المنظومة التعليمية، سواء كانت تحديات قائمة أو متوقّعة،

•أسباب (Why) هذه التحديات، المباشرة (Direct) والجوهرية (Root cause)،

•الإطار العام (How) للحل أو الحلول  المقترحة، والنتائج/التطلعات المتوقعة،

•الإطار الزمني (When) لهذه السياسات. 

إن الهدف النهائي هو صياغة الأطُر التي تحكم أو توجّه خطط ومبادرات تطوير منظومة التعليم، أو بعض مكوناتها. وتُصنّف طُرقُ إجراء الأبحاث على طريقتين: الأولى تعتمد التحليل الكمي للبيانات (الأرقام والإحصائيات)، والثانية تعتمد البحث النوعي (الملحوظات ودراسات الحالة)، ويُجمَعُ بين الطريقتين، مع الأخذ في الاعتبار السياق الوطني والثقافي والاجتماعي، عند القيام بالدراسات. كما تصنّف الدراسات المتّبعة للقيام بأبحاث سياسات التعليم إلى ثلاث فئات رئيسة: الدراسات الموجهة لحل المشكلات، والدراسات التجريبية التحليلية، والدراسات التاريخية والثقافية.

وكما ذكرنا في مقدمة هذه المقالة، فإن سياسات التعليم لا تقتصر على السياسات العليا التي تؤطّر لأهدافٍ وطنية رئيسة مثل: ضمان تعلم الجميع للقراءة، بل تشملُ سياساتٍ محلّية أو فرعية، مثل: تعليم الموهوبين، وصولاً إلى السياسات للمستوى التنفيذي، مثل: قواعد الفصل الدراسي المحددة، وجميعها يؤثر – بتفاوت بينها – على كل فردٍ في المجتمع، وعلى كل قطاع اقتصادي، وعلى البناء الثقافي والحضاري. ونفصّلُ فيما يلي تفصيلاً سريعاً في أنواع هذه السياسات: 

المستوى الوطني: السياسات العليا

•المهام: وضع أهداف عامة 

•مثال: تعزيز روح المواطنة، أو حصول جميع الطلاب على شهادة الثانوية العامة

المستوى المحلي أو الفرعي: منتصف الطريق

•المهام: ترجمة الأهداف الوطنية إلى خطط خاصة بالمنطقة/المدينة أو القطاع

•مثال: تعريف جدول دراسة مرن يتوافق مع مناسبات كبرى (الحج)، أو اختيار المناهج وطرق التدريس الأنسب لمجموعة خاصة من الطلاب، مثل: أصحاب الهمم

المستوى التنفيذي: الواقع اليومي

•المهام: وضع القواعد العامة للجامعة/المدرسة

•مثال: اختيار طريقة تدريس بعض المناهج، أو استخدام المعلّم للمشاريع الجماعية لشرح درس علمي، أو دعم الطلاب فردياً

ما هوية (DNA) سياسات التعليم التي ينبغي أن يُحافظ عليها؟ نحسب أنها توجيهية لا تفصيلية، وأن تعكس هوية المجتمع الحالية والمنشودة، لا هوية من يعمل عليها، وأن تكون مرنة وقابلة للتطور باستمرار، وأخيراً أن تكون مؤسسية لا تتأثر وتتغيّر بتغيّر القائمين عليها.

يُرجِعُ بعض الخبراء عدم نجاح تطوير منظومة التعليم في كثير من الدول – رغم توفير الممكّنات المادية والبشرية – إلى عدم صياغة سياسات التعليم صياغةً واضحة المعالم، أو استخدام آليات لصياغتها تكون غير مناسبة لواقع التعليم في هذه الدولة أو تلك. وإن التطوير الناجح لمنظومة التعليم يتحقق إن أحسنت الجهات المسؤولة عن سياسات التعليم صياغتها، ثم تطبيقها تطبيقاً ناجحاً يجمع بين كفاءة التطبيق والمرونة اللازمة. 

ونختم هذه المقالة بالحديث عن برنامج البنك الدولي المسمّى"النهج التكاملي لتحقيق نتائج تعليمية أفضل" (Systems Approach for Better Education Results SABER)، الذي يُستخدم لتحليل وتطوير أنظمة التعليم، ويعتمد على التشخيص والمقارنة المعيارية. يُسوّق البنك الدولي لهذا البرنامج على أنه يتجاوز الاقتصار على قياس نتائج اختبارات الطلاب ليركز على السياسات والمؤسسات التي تقود تطوير التعليم، وأن سياسات التعليم الفعالة هي الأساس لتطوير التعليم تطويراً مستداماً. وسبق أن استُخدِمَ البرنامج في أكثر من مائة دولة – بحسب ما نشره البنك الدولي – جُلّها ذات اقتصادات نامية أو منخفضة الدخل.

إن أكبر ميزات البرنامج هي – في الوقت نفسه – أكثر نقاط ضعفه، ألا وهي اعتماده على التحليل المبني على أُطُرٍ تفصيلية مستنبطة من الخبرات العالمية، لا من الدولة حيث يُطبّق البرنامج أو مثيلاتها، وعلى المقارنات المعيارية مع الدول من خلال مؤشرات قياس الأداء، لاقتراح إصلاحات للفجوات المهمّة التي عُرِّفَت من المقارنات المعيارية المستخدمة في صياغة المؤشرات. 

ولقد واجه استخدام البرنامج انتقادات كثيرة، لعل أهمها:

•المقاس الواحد يناسب الجميع:  لا تراعي المعايير العالمية المستخدمة السياقات المحلية والوضع الاجتماعي والتاريخي

•الفجوة بين السياسة والتنفيذ: يركز البرنامج بشدة على صياغة السياسات، مع انفصام عن الواقع على الأرض

•وصفات متحيّزة: تستند الأطر التفصيلية المستخدمة إلى تفسيرات للخبرات العالمية والمقارنات المعيارية، قد ينتج عنها توجيه الدول المستخدمة للبرنامج نحو نماذج سياسات معينة، قد لا يكون تطبيقها هو الأفضل للدولة المستهدفة

لماذا أتينا على ذِكرِ هذا البرنامج؟ لأنه مغرٍ للجهات التي ترغب في ترجمة المكونات المعقدة لمنظومة التعليم إلى مكونات قابلة للمقارنة والاستخدام، فهو يسهّل من مهام الفِرَق المسؤولة عن تشخيص التحديات. وهذا مُشكِلٌ في رأينا، لأن إسناد مهمة تشخيص التحديات لغير الذين يعيشونها ويفهمونها، أو استخدام أطُرٍ ومقارنات طُوِّرَت بمعزلٍ عن واقع الحال، لن ينتُج عنه تطوير حقيقي ومستدام لمنظومة  التعليم، حتى مع كلّ حسنات البرنامج الظاهرة، مثل: تضمين أدواتٍ مُمَكِّنة في صياغة السياسات (تنمية القوى العاملة وتنمية الطفولة المبكرة)، والاسترشاد بالإستراتيجيات الاقتصادية والقطاعية.

 

خاص_الفابيتا