في أسبوع القرار النقدي، تتجه الأنظار إلى ما يتجاوز ربع النقطة. ما سيكتب مسار الأسواق ليس حجم الخفض بحد ذاته، بل اللغة التي سيرسم بها الاحتياطي الفيدرالي خريطة العام المقبل وما بعده، وكيف سيقنع المستثمرين بأن اختناق السيولة الذي ظهر في هوامش أسواق النقد القصيرة بدأ يُعالج فعلاً. من هنا يبدو الاجتماع نقطة عبور لا محطة نهاية. نهاية التشديد الكمي تعلن وقف التخفيف في الميزانية العمومية، والرسائل المرافقة ستقرر إن كان المشهد يميل نحو دورة تيسير مالي أطول تُنعش الأسهم والذهب والبيتكوين، أم أن الانضباط التضخمي سيظل الأقوى فيعود المزاج إلى التحفظ.
قرار مرجح.. ونوايا غير مضمونة
التسعير الآني في العقود الآجلة يوحي باحتمال مرتفع لخفض بمقدار 25 نقطة أساس. هذا الميل لا يخرج عن تقاليد الفيدرالي في تفادي المفاجآت التي تصنع تقلباً مجانياً. مع ذلك، يعرف صناع السياسة أن السوق لا يتفاعل مع الخطوة المتوقعة بقدر ما يلتقط الفروق الدقيقة خلفها. عبارة واحدة حول وتيرة التخفيضات اللاحقة قادرة على إعادة توزيع المخاطر عبر المنحنى بالكامل. إيحاء بالتريث بعد ديسمبر يشد العوائد القصيرة ويضغط على مكررات النمو، بينما نافذة لغوية حمائمية تعطي انطباعاً بأن باب الخفض المتتابع لا يزال مفتوحاً تعيد إنعاش شهية المخاطر وتقلص علاوة القلق التي تراكمت في الأسابيع الأخيرة. إلا أن التضخم قد لا يعطي جيروم باول الارتياح لنبرة صريحة.
التوجيه هو النص الحقيقي
البيان نصف القصة. النصف الآخر يأتي من خرائط التوقعات حتى 2026 والمؤتمر الصحفي. هناك ستتضح حساسية اللجنة لأي تباطؤ في سوق العمل، وكيف تقيس الوزن النسبي لمخاطر الأسعار مقابل مخاطر النمو في بيئة بيانات رسمية منقوصة بسبب الإغلاق. الأسواق ستقرأ مواضع التشديد والليونة في اختيار الكلمات أكثر مما ستقرأ الأرقام العريضة. أي تعديل في توصيف التقدم على مسار التضخم أو القدرة الاستيعابية لسوق العمل سيعيد تسعير الحاضر بسرعة، لأن وظيفة التوجيه ليست إخبارنا بما جرى، بل ضبط التوقع لما سيجري. وهنا يكمن صعوبة الموقف في ظل أسواق العمل المتدهورة والتضخم المتسارع.
ما بعد التشديد الكمي: اختبار الاحتياطيات
إيقاف التشديد الكمي في ديسمبر ليس إجراءً حسابياً بارداً. هو إقرار ضمني بأن مستوى الاحتياطيات في النظام المصرفي اقترب من العتبة التي تبدأ بعدها اضطرابات أسواق النقد في التكاثر. لقطات الأيام الماضية تكفي للإشارة إلى أن أدوات السيولة الدائمة باتت تُستخدم بوتيرة أعلى، وأن أسعار الفائدة القصيرة حاولت أكثر من مرة اختبار سقف المعدلات الإدارية. وقف تقليص الميزانية يمنع مزيداً من الضغط، لكنه لا يجيب عن سؤال اللحظة التالية: متى يبدأ التوسع من جديد عبر نمو تلقائي للاحتياطيات أو عبر برامج شراء منظمة إذا لزم الأمر. أي تلميح إلى الحاجة لرفع المخزون الاحتياطي للبنوك سيُفهم كتمهيد لدورة تيسير كمية جديدة مع انعطافة 2026.
لماذا تتحرك الأصول الخطرة والملاذات معاً
التركيبة الحالية تجمع تناقضات مألوفة. خفض الفائدة يخفض كلفة رأس المال ويعطي أسهم النمو نفساً أطول. وقف التشديد الكمي يرفع سقف السيولة الكلية ويجعل انتقال التمويل عبر القنوات أسرع. وفي الخلفية، يتسع العجز المالي الذي يضغط على العائد الحقيقي، فيستفيد الذهب باعتباره مظلة تحفظ القيمة. البيتكوين يدخل المشهد من زاوية مختلفة، لكنه تاريخياً يستجيب لموجات إعادة الضخ النقدي باعتباره أصلاً نادراً في مواجهة عملات تُصدر بقرارات. لذلك يمكن أن يرى المستثمر في الخفض ونهاية التشديد سببين متزامنين لدعم الأسهم والذهب والكريبتو، حتى وإن تباينت سرعة الاستجابة واتجاهها على المدى القصير.
2026 ومعادلة القيادة
ينتهي تفويض الرئيس الحالي للمجلس في منتصف 2026، ومعه يتبدل مزاج المؤسسة بقدر ما تتبدل أسماء المصوتين الرئيسيين. هذا البعد المؤسسي لا يقل وزناً عن التوقعات الرقمية. إذا جاء التشكيل المقبل بميل أوضح إلى التيسير، ستتسع مساحة التسامح مع خفض أسرع للفائدة ونمو أكبر للميزانية العمومية إذا اقتضت السيولة. وإذا طغت المدرسة المتشددة، سيعود الانضباط السعري إلى المقدمة ولو على حساب زخم الأصول. ما يفعله السوق عادة أنه يستبق التغيير المؤسسي ولا ينتظره، فيعيد تسعير المسار بمجرد أن تتضح ملامح القيادة الجديدة حتى لو بدا مخطط النقاط أكثر تحفظاً في المدى القريب. ويبدو أن الاسم الألمع في السباق هو كيفين هاست؛ والذي يعرف من رجالات البيت الأبيض. ذلك يفتح الآمال نحو تيسير سياسة نقدية أوسع.
ما الذي يجب مراقبته يوم القرار
العائد لأجل عامين هو البوصلة الفورية لمسار الأشهر المقبلة. ارتفاعه السريع يعني أن السوق قرأ رسالة أكثر تحفظاً من المتوقع. مؤشر الدولار سيحكي جانباً آخر من القصة، بينما سيكشف الذهب والبيتكوين عن تقدير المستثمرين لفكرة السيولة الشاملة بعيداً عن الفائدة وحدها. في البيان، تُلتقط الكلمات التي تعيد رسم توازن المخاطر بين الأسعار والنمو. في المؤتمر، يُرصد أي توصيف لمستوى الاحتياطيات الكافي للنظام المصرفي، لأن هذه العبارة وحدها تستطيع تحريك توقعات التيسير الكمي من خانة الاحتمال إلى خانة السيناريو.
في المحصلة، خفض مرجح بربع النقطة لن يبدد القلق ما لم تصاحبه إشارة واضحة إلى أن العبور نحو 2026 سيترافق مع المزيد من خفض الفائدة. إذا نجح الفيدرالي في تمرير هذه الرسالة من دون التفريط بمصداقية مكافحة التضخم، ستحصل الأصول الخطرة والملاذات على هدنة تمدد جديدة. وإذا غابت الرسالة أو لبست ثوب الغموض، فستبقى الأسواق في وضع انتظار متوتر، تراقب لحظة تتحول فيها الاستراحة التقنية لآلة الطباعة إلى عودة منظمة للعمل والمزيد من ضخ السيولة عبر شراء الأصول المالية في ميزانية الفيدرالي العمومية.
خاص_الفابيتا


