تشهد المملكة العربية السعودية تحولاً اقتصادياً لافتاً يتجسد بوضوح في أداء صادراتها غير النفطية التي باتت تشكل ركناً أساسياً في المشهد الاقتصادي الجديد للمملكة. فبيانات التجارة الدولية لشهر يوليو 2025 تكشف عن قفزة نوعية في الصادرات غير البترولية بلغت 30.4 % مقارنة بالعام الماضي، وهو نمو يعكس ليس مجرد تحسن في الأرقام، بل ثمرة مسار استراتيجي بدأ منذ انطلاق رؤية السعودية 2030 التي جعلت من تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط هدفاً محورياً. هذا النمو اللافت في الصادرات غير النفطية ليس معزولاً عن السياق العام للتحول الاقتصادي، بل يمثل أحد أبرز مخرجات برامج الرؤية التي ركزت على تطوير الصناعة المحلية، وتحفيز الاستثمارات في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، وتمكين القطاع الخاص من المنافسة العالمية. فخلال السنوات الأخيرة، انتقلت المملكة من دور المورد التقليدي للطاقة إلى دولة تُصدر منتجات صناعية وتقنية متنوعة، تعكس قدرة الاقتصاد الوطني على الابتكار والإنتاج.
وتبرز صادرات الآلات والأجهزة والمعدات الكهربائية وأجزاؤها كأحد أهم مؤشرات هذا التحول، إذ سجلت ارتفاعاً مذهلاً بنسبة تجاوزت 200 % في يوليو 2025 مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، لتتربع على صدارة الصادرات غير النفطية بنسبة تقارب 30 % من إجماليها. هذا النمو يؤكد أن الاستثمار في التقنية والصناعة المتقدمة بدأ يعطي نتائجه الملموسة، وأن البنية الصناعية التي تبنى اليوم في مدن مثل الجبيل ورأس الخير والمدينة الصناعية بالرياض أصبحت قادرة على المنافسة عالمياً. كما شهدت منتجات الصناعات الكيماوية ارتفاعاً ملحوظاً بنسبة 0.9 %، محافظة على ثاني أكبر حصة في هيكل الصادرات غير النفطية بنسبة تقارب 19 %. ومع أن هذه النسبة تبدو محدودة مقارنة بطفرة الصادرات التقنية، إلا أنها تعكس استقرار هذا القطاع الاستراتيجي الذي يمثل قاعدة صناعية متينة للاقتصاد السعودي. وفي الوقت نفسه، ارتفعت قيمة السلع المعاد تصديرها بنسبة تفوق 111 %، وهو ما يعكس دور المملكة المتزايد كمركز إقليمي للتجارة وإعادة التصدير، مدعوماً بتوسع الموانئ والمناطق اللوجستية ومبادرات الربط التجاري.
أما على صعيد الميزان التجاري، فقد انعكس هذا الأداء الإيجابي في تحسن واضح للفائض بنسبة تجاوزت 50 %، مدفوعاً بارتفاع الصادرات غير البترولية وتراجع الواردات بنسبة 2.5 %. وبذلك، ارتفعت نسبة الصادرات غير النفطية إلى الواردات من 33.4 % إلى 44.6 % خلال عام واحد فقط، وهو تطور نوعي يعكس تحسناً في الكفاءة الإنتاجية المحلية ونجاح سياسة الإحلال الصناعي التي تستهدف رفع مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي. من جهة أخرى، تُظهر البيانات تراجع نسبة الصادرات البترولية من إجمالي الصادرات الكلية من 72.8 % إلى 67.1 %، وهو تراجع إيجابي في دلالته الاقتصادية، لأنه يعكس توسع قاعدة الصادرات غير النفطية، لا تراجعاً في أداء قطاع الطاقة. بهذا المعنى، أصبح النفط أقل هيمنة على الميزان التجاري، فيما تتقدم الصناعات الوطنية لتأخذ مكانها كأحد أعمدة الدخل القومي.
هذا التحول في هيكل الصادرات يعكس بوضوح فاعلية رؤية 2030 التي وضعت هدفاً واضحاً لزيادة حصة الصادرات غير النفطية في الناتج المحلي غير النفطي، وخلق اقتصاد أكثر تنوعاً واستدامة. وقد أسهمت برامج مثل برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية (ندلب) والاستراتيجية الوطنية للصناعة في خلق بيئة محفزة للإنتاج، عبر تمويل المشاريع، وتبسيط الإجراءات، ودعم الابتكار والتقنية، وفتح أسواق جديدة أمام المنتج السعودي. ولم يكن هذا النمو ممكناً لولا التحسينات الواسعة في البنية التحتية اللوجستية. فالموانئ السعودية، وعلى رأسها ميناء الملك عبدالعزيز بالدمام وميناء جدة الإسلامي، أصبحت قادرة على استيعاب حركة تصدير ضخمة بكفاءة عالية، في حين أسهمت المناطق الاقتصادية الخاصة والمطارات الدولية في دعم عمليات التصدير السريع وإعادة التصدير. هذه التطورات عززت من موقع المملكة كمركز إقليمي للتجارة الدولية، ووضعتها في قلب حركة البضائع بين آسيا وإفريقيا وأوروبا.
ومن زاوية أخرى، يظهر تنوع الشركاء التجاريين للمملكة كأحد مؤشرات نجاح السياسة الاقتصادية الجديدة، إذ احتلت الصين المرتبة الأولى في استقبال الصادرات السعودية بنسبة 14 %، تلتها الإمارات والهند بنسب تتجاوز 9 % لكل منهما، إضافة إلى دول آسيوية وأوروبية أخرى مثل كوريا الجنوبية واليابان وبولندا. هذا التنوع في وجهات التصدير يقلل من المخاطر المرتبطة بتقلبات الأسواق ويعزز مرونة الاقتصاد السعودي في مواجهة الأزمات العالمية. ومع ارتفاع الصادرات الصناعية والتقنية، يتضح أن الاقتصاد السعودي بدأ ينتقل من مرحلة التنويع إلى مرحلة التمكين. فالتنويع لم يعد شعاراً، بل واقعاً تترجمه الأرقام، حيث باتت الصناعات الوطنية قادرة على المنافسة في أسواق متعددة، بينما تتجه الاستثمارات نحو قطاعات المستقبل مثل الطاقة المتجددة، والهيدروجين، والتقنيات المتقدمة، وهي المجالات التي تشكل جوهر المرحلة القادمة من الرؤية. ويُعد هذا الأداء التجاري القوي مؤشراً على أن التحول الهيكلي في الاقتصاد السعودي يسير بوتيرة أسرع من المتوقع. فالصادرات غير النفطية لم تعد هامشية أو تكميلية، بل أصبحت عاملاً فاعلاً في خلق الفائض التجاري ودعم استقرار الميزان الخارجي، ما ينعكس بدوره على قوة العملة وثقة المستثمرين. ومع استمرار النمو في هذه الصادرات، من المتوقع أن تتوسع مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي بشكل ملموس خلال السنوات المقبلة.
إن ما نشهده اليوم هو تحول اقتصادي تاريخي تعيد فيه المملكة تعريف دورها في الاقتصاد العالمي. فبدلاً من أن تكون مصدراً رئيساً للطاقة فقط، أصبحت مصدراً للمنتجات الصناعية، ومركزاً للتجارة والخدمات اللوجستية، وقوة اقتصادية إقليمية تملك استراتيجية واضحة للمستقبل. لقد انتقلت رؤية 2030 من كونها خطة إصلاحية إلى كونها قصة نجاح وطنية قابلة للقياس بالأرقام، وأبرز دليل على ذلك هو النمو المستدام في الصادرات غير النفطية التي أصبحت مرآة لتحول المملكة نحو اقتصاد متنوع، متوازن، ومبني على الإنتاجية والتنافسية العالمية.
نقلا عن الرياض
السعودية تتالق بكل شي دام عزها , تحول وتحسن سلس من الاقتصاد النفطي البحت الى اقتصاد متنوع وناجح ادام الله عراب الروؤية فوق رؤوسنا.. باقي المشكلة الوحيدة هي فرص الاستثمار للاشخاص العاديين , الموظفين والمتقاعدين واللي عندهم بزنس ويبغون تنمية المدخرات , ما هي الفرص المجدية؟ قليلة للغاية ومعظمها بلا الفائدة تستنزف اموالنا.. على صعيد شخصي بالنية وعن طريق الصدفة ساهمت باحدى بنوك الاستثمار في الامارات وكانت المفاجأة ان هذا البنك غير كل شي شفته وهو تجارة كابيتال الاماراتي حيث يوفرون ادارة كاملة للحساب والاداء قوي جدا واحصل لي ارباح شهرية مستدامة وعالية جدا هذا ساعدني الكثير في المصاريف والتوفير والراحة وهذا كل ما كنا نبغاه طوال هذه السنين لكن ماذا مع جهات اخرى ؟ نامل ونرجوا تعزيز هذا القطاع أيضا لكي ننافس