التمويل المسؤول.. شعار يجمّل الديون

29/09/2025 0
حسين بن حمد الرقيب

وراء الشعارات اللامعة تختبئ حقيقة مؤلمة تعيشها الأسر يومًا بعد يوم، أقساط متلاحقة تلتهم الدخل، وضغوط نفسية واجتماعية تسلب البيوت سكينتها، وبينما تكدّس البنوك أرباحًا هائلة، يركض الآباء والأمهات في سباق مرهق بين تلبية احتياجات أبنائهم والهروب من شبح الديون، إن لائحة تسمح باستقطاع يصل إلى 65% من الراتب لا يمكن وصفها بالتمويل المسؤول؛ فهي عمليًا أداة تصب في مصلحة المصارف على حساب أسر غارقة في التزامات تفوق قدرتها، واضعو النظام اكتفوا بالنصوص واللوائح متجاهلين الواقع المعيشي للأسر، التي تضطر للعيش بما تبقى من دخلها لتغطية طعامها وحاجاتها الأساسية، والأدهى أن بعض القروض تمتد أقساطها لعشرين عامًا أو أكثر، أي ما يقارب نصف عمر المقترض، ليبقى أسيرًا للدين لعقود طويلة.

الأثر النفسي لهذه السياسات بالغ القسوة؛ فالأب أو الأم يصبحان رهينين لجدول الاستقطاع الشهري، يعيشان تحت ضغط القلق المستمر والأرق الدائم، هذا التوتر ينعكس على الأسرة بأكملها، خلافات بين الزوجين، قسوة غير مقصودة تجاه الأبناء، وانطفاء الفرح من تفاصيل الحياة، وهكذا يتحول التمويل الذي صُوِّر كوسيلة للاستقرار إلى باب للاضطراب والتفكك.

أما على الصعيد الاجتماعي، فالصورة أكثر خطورة: قضايا متزايدة في المحاكم، تعثرات مالية متراكمة، وتآكل الثقة بالمنظومة الاقتصادية عندما ترى الأسر أن البنوك تحقق مليارات بينما يغرق المجتمع في الديون، يتولد شعور بالظلم يهدد الانتماء، ويزرع بذور التذمر الصامت، ورغم ما يُتداول عن خفض بعض البنوك لنسبة الاستقطاع إلى 55%، فإن غياب قرار رسمي يوضح أن الأمر ليس رحمة بالمقترضين بل مجرد خفض لمخاطر الائتمان، وحتى هذه النسبة تبقى مرتفعة، ما يستدعي خفض السقف إلى مستوى عادل، مع وضع آلية إلزامية لإعادة جدولة الديون عند الظروف القاهرة، بدل ترك المقترض تحت رحمة البنوك.

من صاغ نظام “التمويل المسؤول” يحتاج إلى مراجعة عميقة، وأن يدرك أن الأسر ليست أرقامًا في جداول، بل حياة كاملة تنهار تحت وطأة الديون، وإذا استمرت القوانين منحازة للبنوك، فلن تقتصر الخسارة على جدران البيوت، بل ستمتد لتصيب استقرار المجتمع وثقته وعدالته.

 

نقلا عن الرياض