نشرت بلومبيرغ مسودة التقرير السنوي لوكالة الطاقة الدولية الذي وُضع فيه سيناريو مختلف عن السابق حيث ترى بأن العالم سيبقى معتمداً بالدرجة الرئيسية في امدادات الطاقة على النفط، وأن الطلب سيصل الى 114 مليون برميل عام 2050م بعد أن كانت تقاريرها السابقة تضع سقفاً للطلب في ذات العام عند 93 مليون برميل في اشارة واضحة منها سابقاً إن ذروة الطلب ستكون قريبة أي ببداية 2030 تقريباً وهو ما ثبت خطأه وتشير بعض التقارير الاعلامية أن تغيير الوكالة لتوقعاتها جاء بضغط من الرئيس الامريكي ترمب الذي نقل عنه أنه هدد بالانسحاب من الوكالة او التغيير برؤيتها لتكون واقعية حيث يدعم زيادة إنتاج النفط ببلاده بعكس الإدارات الديمقراطية السابقة.
لكن الحقيقة تظهر من خلال توجه الدول الصناعية لتغيير إستراتيجياتها في ما يخص مزيج الطاقة فبعد سنوات من تركيزها على إنتاج الطاقة المتجددة والتوسع باستثماراتها جاءت الحرب الروسية الاوكرانية لتكشف الخلل الكبير في نهج الاوروبيين تحديداً إذ قلصوا تدريجياً بالعقوبات استيراد الغاز الروسي الرخيص التكلفة عليهم، وكذلك استيراد النفط منها كثيراً ليتم ايقافه بشكل كامل مما رفع من تكاليف الانتاج لديهم واثر ذلك على قطاعات عديدة وقلل من تنافسية صناعاتهم ورفع التضخم واصبحت اميركا مصدراً رئيسياً لامدادهم بالغاز الذي أصبح يكلفهم اربعة أضعاف سعره في اميركا وأكثر من ذلك، مقارنة بسعر استيراده من روسيا عبر أنابيب دون الحاجة لمعالجات معقدة ومكلفة، بل أنهم زادوا من استهلاك الفحم الحجري وبعضهم عاد له بعد توقف لسنوات رغم انه مسؤول عن تلوث بيئي كبير لان ذلك أصبح ضرورياً لأمنهم الاقتصادي، فاختفت كل المخاوف البيئية فجأةً وهو ما آثار أسئلة كثيرة حول حقيقة تحميل الوقود الاحفوري بشكل رئيسي مسؤولية الانبعاثات الكربونية العالية بأنه لا يخلو من توجه سياسي لانهم ليسوا دول منتجة للطاقة ويرون انهم من المصادر المتجددة يمكنهم تأمين احتياجهم من الطاقة دون الحاجة لاستيرادها.
فلو استمروا باتباع سياسات وكالة الطاقة فسيواجه العالم ازمة طاقة ستدفع الاسعار لمستويات كبيرة ولسنوات طويلة فيكفي ما ذكر بتقارير دولية أن استمرار تراجع الاستثمار بالنفط سيعني تراجع الإنتاج بقرابة 5 بالمائة سنوياً، وإذا جاءت صدمة تراجع العرض ونمو الطلب عندها سيكتشف الغرب الصناعي أن الوكالة ذهبت به للاتجاه الخاطئ الذي لن يكون تغييره بسيطاً والتكاليف ستتضاعف عليهم، وقد يخسرون موقعهم بين الدول الصناعية بالعالم وستهاجر بعض شركاتهم لدول أخرى تقل فيها التكاليف عن دولهم وسيفلس الكثير من شركاتهم الصناعية أيضاً وهو مايفسر جانباً من بين الجوانب المهمة من التوجه إلى الشراكة الاستراتيجية بين أوروبا ودول الخليج حيث عقدت قمة هي الأولى من نوعها باكتوبر من العام الماضي في بروكسل مما يعني أن اوروبا تريد الشراكة مع أهم المنتجين للنفط والغاز عالمياً لتعزيز أمن امدادات الطاقة لديها.
فأمن الطاقة ثبت أنه يعتمد على النفط أولاً ولعقود طويلة وحجم الاستثمار المطلوب بحسب أمين عام أوبك خلال 25 عاماً قادمة يقدر بحوالي 18،2 تريليون دولار أي أكثر من 700 مليار دولار سنوياً، وذلك لضمان إمدادات كافية بل إن تقرير الوكالة المزمع إصداره مازال يرى أن سياسات التوجه للطاقة المتجددة ستنجح وهو ما يتناقض مع نظرتهم عن التغير المناخي فكيف ستضمن إمدادات طاقة آمنة من مصدر متقلب غير موثوق ويحتاج لاستثمارات ضخمة جداً للتحول له في وقت يخشى العالم من انفجار قنبلة الديون المرتفعة عالمياً والتي تصل الى حوالي 315 تريليون دولا. أي ثلاثة أضعاف الناتج الاجمالي العالمي واذا أضيف لها عشرات التريليونات كاحتياج لاستثمارات الطاقة المتجددة واغلبها من التمويل مما يشكل خطراً كبيراً على النظام المالي الدولي اذا كانت اكبر امدادات الطاقة من مصادر متقلبة مرهونة لاحوال الطقس وغير مضمونة تهدد استدامة الصناعة والزراعة والتجارة الدولية.
وكالة الطاقة الدولية غالباً كانت تقاريرها محل شك في دقتها وتبدو كأنها نابعة من موقف غير متمكن من فهم أهمية الوقود الاحفوري في أمن الطاقة الدولي ودوره في دعم النمو الاقتصادي العالمي بينما تبقى منظمة أوبك هي الأكثر دقة وواقعية في قراءة مستقبل الطاقة وامداداتها الآمنة لأنها تتعامل من خلال الميدان وما يدور فيه ولها مصلحة بأن تقرأ المستقبل جيداً لأن دول أوبك تضخ استثمارات كبيرة في صناعة النفط والغاز ولا يمكن أن توجه ثرواتها وإمكانياتها إلا لماهو مطلوب في الأسواق العالمية ولعقود طويلة.
نقلا عن الجزيرة