تسعى الجهات العامة الحكومية في السعودية من وزارات، وهيئات، ومؤسسات، ومراكز، وصناديق، ومافي حكمها والتي يصل عددها إلى ما يزيد على 500 جهة عامة لتقديم أفضل الخدمات وتحسينها بشكل مستمر لكافة المستفيدين، فدور لجنة المراجعة ولجنة الحوكمة والمخاطر والالتزام في القطاع العام يعد مكملاً ومهما لاكتمال نموذج الحوكمة، وهي لجان ليست مطلوبة بموجب القوانين بشكل مباشر لكنها لجان تعزز من تطبيقات الحوكمة ودورها يعد جزءاً متمماً لتبّني إطار حوكمة الجهات العامة.
تعد تلك الوظائف: الحوكمة، والمخاطر، والالتزام والمراجعة الداخلية، مفهوم متكاملاً وفعال في كفاءة وفاعلية الضوابط الرقابية وتحسين درجة فاعلية المنظمة والركيزة الأساسية التي تضمن قدرة المنظمة على تجاوز التعقيدات الهادفة إلي التأكد من تطبيق أفضل الممارسات لتحقيق الأداء المنضبط في 3 جوانب رئيسية أولها: وظيفة الحوكمة بما تشمله من تطبيق مبادئ الحوكمة والشفافية ووجود هيكل تنظيمي فعال ووضع السياسات والإجراءات التنظيمية المعتمدة من السلطة العليا لكل منظمة، ثانياً: وظيفة المخاطر وتتمثل في تحديد وتقييم المخاطر الداخلية والخارجية المرتبطة بالإستراتيجية، التشغيلية المالية وغير المالية وصولاً لوضع سجل المخاطر والخطط والسياسات لمواجهة وإدارة تلك التهديدات وتفاديها أو تقليل تأثيرها والمتابعة الدائمة للتأكد من الجاهزية والاستعداد لمواجهة التحديات والعمل على تحديثها بشكل دوري.
ثالثاً: وظيفة الالتزام، وتهدف إلى ضمان الالتزام بالقوانين واللوائح الصادرة التي ترتبط بالمنظمة والعمل على المتابعة المستمرة ورفع التقارير الدورية لأصحاب المصلحة ويعد الالتزام جزء من الحوكمة كما تعد تلك العناصر الـ3 الأساسية الخط الثاني لكل منظمة، بينما تعد المراجعة الداخلية الخط الثالث، وتمارس دور المراجعة على الخط الأول والثاني وهي نشاط استشاري وتأكيدي يهدف لتقييم الرقابة الداخلية وإبداء الرأي المستقل.
ومن حيث واقع الممارسات لمثل تلك اللجان على مستوى العالم، ونظرًا لأن الحكومات في جميع أنحاء العالم مهيكلة بشكل مختلف فلا يوجد نموذج حوكمة واحد ينطبق على منظمات القطاع العام، فتعد دول كندا، وأستراليا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، دولا تنص قوانينها على وجوب تشكيل لجان مراجعة قوية وذات استقلالية في المؤسسات العامة الكبيرة وأن يكون هناك ترتيبات فعّالة للحوكمة وإدارة المخاطر والرقابة الداخلية وخاصة على مستوى الحكومة الفيدرالية.
وكذلك الحال في دولة فرنسا فجميع الجهات في القطاع العام ملزمة بوجود لجنة المراجعة والتي ترتبط بأعلى سلطة في الوزارة ويقدّم لها الدعم، وكذلك في التشيك وجنوب إفريقيا والسويد، ووفقًا للوائح المالية للاتحاد الأوروبي يجب أن يكون لدى كل مؤسسة لجنة لتقييم التدقيق الداخلي، وباستعراضنا لتلك الممارسات على مستوى الدول نجد أن البداية دائماً تكون للجنة المراجعة.
ولتبنّي إطار حوكمة في بيئة القطاع العام لابد من وجود لائحة لحوكمة تلك الوظائف في القطاع العام وتفعيل تلك الوظائف (الحوكمة، المخاطر، الالتزام والمراجعة الداخلية) في الهياكل التنظيمية لتلك الجهات والتي ستعزز من توفر الأدوات والهيكل المناسب لاتخاذ القرارات، وإدارة المخاطر واكتشافها وتحديد التهديدات التي تعيق تحقيق اهداف المنظمة، ورفع الكفاءة التشغيلية وضمان عدم تعرض المنظمة لتجاوزات او إخفاقات، كما يعد وجود تلك الوظائف أساسي لتأسيس لجنة المراجعة ولجنة الحوكمة والمخاطر والالتزام والتي تعد ركيزة أساسية للحوكمة الرشيدة ومتطلب لإرساء ترتيبات فعّالة للحوكمة، وإدارة المخاطر، والرقابة الداخلية وتطويرها، كما يجب مراعاة مبدأ التدرج بإنشاء اللجان والذي يعد أمر مهما في بداية التطبيق، ونظراً لتقارب وتكامل الأدوار والأهداف فيما بين تلك اللجان من حيث الرقابة والامتثال والمخاطر فلا يوجد ما يمنع من دمج تلك اللجان في مراحل الانطلاق الأولى في بيئة القطاع العام. فوجود مثلاً لجنة أو لجنتين بنطاق عمل وأضح وفاعلية كبيرة يعزز من آلية التفعيل والقيمة المضافة للمنظمة، وقد تواجه المنظمة بعض التحديات منها مقاومة التغيير، القدرة على التوثيق والاتساق، تحديد المؤشرات الرئيسية، اتمتة العمليات،عدم وجود أطر قانونية تنظم إنشاء اللجان،وقد تتطلب تلك التحديات استثماراً وتهيئة أولية، وخريطة طريق لتحول ثقافي شامل من التوعية والتدريب في المنظمة، كما ينبغي النظر لمرحلة التنفيذ على أنها رحلة مستمرة وليس مشروع لمرة واحدة.
ومن المهم أن يتضمن التطبيق دراسة الوضع الراهن ومعرفة المخاطر والمتطلبات التنظيمية والضوابط الحالية ودرجة نضج المنظمة واختيار إطار عمل يتناسب مع حجم المنظمة ومستوى نضجها ويعزز من المواءمة مع أهداف المنظمة والتأكد من تطوير السياسات والإجراءات والعمل على أتمتة الأنشطة الرئيسية،ونشر الوعي الدائم والمراقبة والتطوير، والدعم من المستوى الأول في المنظمة، ورفع التقارير الدورية، واختيار الأعضاء ذو الخبرة والمستقلين ووضع الميثاق والغايات والأهداف لعمل الحوكمة والمخاطر والالتزام والمراجعة الداخلية بإشراف من المستوى الأول في المنظمة. كما أن الفوائد المتحققة من هذا النموذج تُمكن المنظمة من تحسين الرؤية والشفافية، ومعالجة أوجه عدم اليقين، وإدارة المخاطر، وزيادة الامتثال، والحوكمة الرشيدة، والعمل بنزاهة وتحقيق الاستدامة.
نقلا عن الاقتصادية


