وصولا إلى قراءة دقيقة لواقع سوق العمل المحلية، والتركيز بدرجة أكبر على جزئها الأهم ممثلا في القطاع الخاص، التي تشير في مقارنتها الظاهرة والكلية إلى وجود نحو 7.9 مليون عامل وافد، مقابل نحو 2.3 مليون عامل مواطن، وفقا لأحدث بياناتها بنهاية الربع الثالث من العام الجاري، ما يوحي بدوره إلى أن حجم العمالة الوافدة يناهز 3.5 ضعف حجم العمالة المواطنة! إلا أن القراءة الدقيقة والأقرب إلى الواقع والمراد التأكيد عليها هنا، التي تعتمد على استبعاد العمالة الوافدة التي تشغل وظائف متدنية الأجور والمهارات، ولا تحظى بطلب حقيقي من قبل الموارد البشرية المواطنة، وقد تصل إلى رفض تلك الوظائف بحال تم ترشيح أي من المواطنين أو المواطنات لتلك الوظيفة، لأسباب جوهرية ترتبط بانخفاض أجرها ومؤهلها المتدني جدا، مقارنة بالمؤهل الذي يحمله المرشح لها من المواطنين، وهي الوظائف التي طالما تم اقتراح استبعادها من موازين برامج التوطين، لارتفاع عبئها على منشآت القطاع الخاص، بدءا من عدم توافر الراغب فيها من الموارد البشرية المواطنة، وصولا إلى ارتفاع المقابل المالي المحتسب عليها بحال إشغالها بالعامل الوافد الذي لا بديل محلي له.
وفقا للمقارنة أو القراءة المأمول اعتمادها أعلاه (باستبعاد العمالة الوافدة التي تشغل وظائف متدنية الأجور والمهارات، ولا تحظى بطلب الموارد البشرية المواطنة)، فإن المقارنة ستظهر نحو 1.2 مليون عامل وافد للوظائف التي تبلغ أجورها الشهرية 3.0 آلاف ريال فأكثر، مقابل نحو 2.3 مليون عامل مواطن، ما يعني بدوره أن العمالة الوافدة تمثل نحو 0.5 ضعف العمالة المواطنة، وعلى الرغم من أن حجم العمالة الوافدة وفق هذا المعيار، أقل من حجمها بالنسبة لإجمالي المواطنين والمواطنات العاملين في القطاع الخاص، إلا أن مقارنة التغير في كل العمالة المواطنة والوافدة وفق هذا السياق منذ مطلع العام الجاري حتى نهاية الربع الثالث، تظهر أن حجم العمالة الوافدة ذوي الأجور 3.0 آلاف ريال شهريا فأعلى، قد ارتفع بنحو 12.1 في المائة مقارنة بحجمها مطلع العام (ارتفاع بصافي 126.7 ألف عامل)، مقابل ارتفاع حجم العمالة المواطنة لفترة المقارنة نفسها بنحو 4.7 في المائة (ارتفاع بصافي 101.1 ألف عامل).
هذا يدعو إلى أهمية إحداث كثير من التحديثات للبرامج الراهنة للتوطين، ونقلها من مجرد التركيز الكمي والكلي على الوظائف، إلى التركيز النوعي والتخصصي حسب الوظائف والمهارات والأجور، الذي سيؤدي إلى تخفيف الأعباء عموما عن كاهل القطاع الخاص فيما يتعلق بالوظائف الأدنى أجورا ومهارة ومؤهلات علمية أدنى، ما سيؤدي إلى تخفيض تكاليفها على ميزانيات المنشآت، ومن ثم خفض أسعار الخدمات والمنتجات والسلع وزيادة تنافسيتها محليا وخارجيا. في المقابل، نقل وتركيز وزيادة تلك الأعباء إلى الوظائف الأكثر طلبا من الموارد البشرية المواطنة، التي سيسهم تحققها في رفع تكلفة توظيف العامل الوافد في تلك الوظائف على المنشأة، ما سيدفعها بدرجة أكبر إلى تفضيل الاعتماد على الموارد البشرية المواطنة، والخروج من الوضع الراهن الذي سمح بزيادة وظائف العمالة الوافدة أكثر من المواطنة في الوظائف الأكثر طلبا والأعلى أجورا.
كما أن من شأن هذا التغيير المنشود في منهجية برامج التوطين، أن يسهم في الحد بدرجة كبيرة من ظاهرة التوظيف الصوري غير المجدي إنتاجيا ولا اقتصاديا للمنشأة وللقطاع الخاص عموما، إضافة إلى كونه غير مجد معيشيا بالنسبة إلى المواطن العامل، الذي قد يضطر لأي ظرف كان، إلى قبول وظيفة أدنى من مؤهله العلمي وذات أجر متدن. وهو الأمر القابل للتحقق بالتأكيد متى ما وجدت منشآت القطاع الخاص نفسها أمام خيارات توطين للوظائف الأعلى أجورا بالتكلفة الأدنى، مقارنة بالتكلفة الأعلى بحال الاستقدام من الخارج أو توظيفها للوافد، إضافة إلى تخفيف التكاليف والمقابل المالي عليها بالنسبة إلى الوظائف الأدنى أجورا ومهارات ولا تفضلها الموارد البشرية المواطنة، ما سيسهل عليها إشغالها بوافدين بأدنى التكاليف، وما سيؤدي إليه ذلك من زيادة مرونة إدارة التكاليف لديها، ويسهم في زيادة تنافسيتها محليا وخارجيا، ويسهم أيضا في زيادة قدرتها على توطين الوظائف الأعلى أجورا ومهارات بموارد مواطنة مؤهلة.
سيؤدي ما تقدم ذكره في تحقق كثير من النتائج الإيجابية للأطراف كافة، من أبرز تلك النتائج، على سبيل المثال لا الحصر: "أولا"، المساهمة في رفع معدلات التوطين في القطاع الخاص، وزيادة حجم توظيف الموارد البشرية المواطنة. "ثانيا"، المساهمة في خفض معدل البطالة بين المواطنين والمواطنات بوتيرة أسرع وأكبر. "ثالثا"، المساهمة في رفع مستوى الدخل للعمالة المواطنة في القطاع الخاص، مع زيادة خيارات حصولهم على الوظائف الأعلى أجورا في السوق المحلية، الذي سيسهم بدوره في تحسن مستويات المعيشة وجودة الحياة بالنسبة إليهم بدرجة أكبر وأسرع. وهو ما سيؤدي بالتأكيد إلى "رابعا"، زيادة الإنفاق الاستهلاكي محليا على الخدمات والسلع والمنتجات، التي يشكل المحتوى المحلي منها وزنا مهما جدا. الذي سيؤدي بالتأكيد إلى "خامسا"، تحفيز وتشجيع منشآت القطاع الخاص على زيادة استثماراته وتوسيع نشاطاته محليا، وما سيترتب عليه ذلك من زيادة مطردة بحجم فرص العمل أمام الموارد البشرية المواطنة. "سادسا"، زيادة تنافسية القطاع الخاص في الأسواق المحلية والخارجية، نتيجة لانخفاض الأعباء المالية عن كاهله بالنسبة إلى العمالة الوافدة لديه في الوظائف الأدنى أجورا ومهارات. "سابعا"، تسهيل وتسريع إجراءات التوظيف والتوطين في بيئة الأعمال المحلية. "ثامنا"، سيؤدي تحقق ما سبق في الأجلين المتوسط والطويل، إلى رفع معدل النمو الاقتصادي، ويساعد القطاع الخاص على التوسع وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي.
نقلا عن الاقتصادية
استاذ عبدالحميد ربما آن الاوان ان تنتقل وزارة الموارد البشريه من ( الكم الى الكيف ) في تعاطيها مع بيانات التوظيف والوظائف ...التركيز على الوظائف النوعيه التي تتطلب شهاده علميه وفيها دخل جيد والتي لاتزال بحوزة العماله الوافده ( الوظائف الهندسيه بكل فروعها والصحيه الطب وطب الاسنان والصيدله والاشعه والمختبرات وهندسة الكمبيوتر والبرمجه وامن البيانات والمحاسبه والماليه والمحاماه ) بالاضافه الى رصد الوظائف القياديه في الشركات ( مدير - مدير عام - رئيس ) .ورصد نمو حصة المواطنين منها .هذه بالمجمل وربما هناك بعض الاعمال الفنيه الاخرى في المصانع والمعامل ...بالنسبه للوظائف المتدنيه التي لاتحتاج لشهادات علميه ودخولها متدنيه هذه يجب ان يكون لها حسبه مستقله ...لكن بالنسبه للوظائف اعلاه هي المحك الحقيقي لاداء وزارة الموارد البشريه في المرحله الحاليه والقادمه ...والله اعلى واعلم .
رأي سديد أخي الموقر عامر، ويحقق فعلاً الغاية من حصول الإنسان على عمل ومصدر رزق كافي وعادل له ولأسرته .. بارك الله فيك