الحلقة الأضعف في البنوك الأوروبية

03/04/2023 0
د. خالد رمضان عبد اللطيف

ما زال التوتر يهيمن على القطاع المصرفي الأوروبي بعد أقل من أسبوع على إنقاذ البنك السويسري المتعثر "كريدي سويس" عبر شقيقه منافسه العتيد "يو بي إس"، وبينما تتداول أسهم البنوك الأوروبية حول أرقام متوسطة، تتسلط الأضواء على "دويتشه بنك" الذي يتوقع البعض سقوطه في أية لحظة، ولكننا، مع ذلك، نعتقد، أن البنوك الأوروبية آمنة، ولا توجد مخاطر عدوى تهددها بالفشل، لأنها تقف على أرض صلبة، سواء على مستوى رأس المال أو السيولة، كما أنها لا تعاني من مشكلات جودة الأصول، والتي تقع عادة في قلب الأزمات المصرفية.

الخبر الجيد هنا هو أن البنوك الأوروبية لديها الكثير من السيولة الفائضة وفقاً للمؤشرات التقنية، ويظهر ذلك على سبيل المثال في مقياس نسب تغطية السيولة، والتي تُظهر مقدار النقد والسندات التي يمكن بيعها بسهولة لدى البنوك مقارنة بحجم الودائع التي من المحتمل أن تخسرها على مدار 30 يوماً في حالة التعرض للخطر، ويعرف ذلك أيضاً باسم "الإدارة المصرفية المصغرة"، وتؤكد واقعة إخفاق كريدي سويس أن الربحية هي الملك، حيث تظل البنوك ذات الربحية المنخفضة معرضة للخطر، مثل البنك التجاري الألماني "كومرتس بنك"، والذي بات في منتصف أو قرب نهاية إعادة الهيكلة الكبيرة، أما البنوك التي تتسم بغموض الأعمال الاستثمارية مثل بنكي فرنسا "بي إن بي باريبا"، و"سوسيتيه جنرال"، فسوف يتأثران بتراجع القطاع الواسع، لكن، مشكلات هذه البنوك تبدو أقل حدة، إذ لا يمكن مقارنتها بمعضلات "كريدي سويس".

رغم أن القطاع المصرفي الأوروبي لا يزال قوياً، ولا تعتريه أي مخاوف ائتمانية أو رأسمالية تشكك في جدواه، إلا أنه ينبغي التذكير بأنه حتى البنوك التي تتمتع بصحة جيدة يمكن أن تقع ضحية فقدان الثقة، وهذا ما يقود جزئيًا موجة البيع في أسهم البنوك الأوروبية، ومع خروج كريدي سويس من الصورة، تتحرك الأسواق لإعادة تقييم الانكشافات في القطاع المصرفي، حيث يبرز السؤال الأكثر إلحاحاً بين المستثمرين: أي بنك يشكل الآن الحلقة الأضعف؟.

ونظرًا لعودة دويتشه بنك للربحية مؤخرًا، والتي ينبع جزءاً كبيراً منها من البنوك الاستثمارية الأكثر تقلبًا، والموجة المستمرة من مشكلات الامتثال التي تدعم الرأي القائل بأن ضوابط المخاطر وقضايا الامتثال ذات طبيعة هيكلية مختلفة في دويتشه بنك، فليس من المستغرب، أن يأخذ البنك الألماني زمام المبادرة في عمليات البيع في القطاع المصرفي الأوروبي، وربما يكون السؤال المثير للانتباه متعلق بالارتفاع القياسي في مقايضات التخلف عن سداد الائتمان على ديون دويتشه بنك.

والطبيعي، هو حدوث زيادة في مقايضات التخلف عن سداد الائتمان، لأن المستثمرون يبدؤون في تقدير المخاطر المتصورة للبنك، وإذا كانت البنوك المركزية في أوروبا وأمريكا تواصل رفع أسعار الفائدة، وترسخ فكرة أننا باتجاه تعميق الألم الاقتصادي، فإننا بانتظار ما تسفر عنه هذه التحركات الكبيرة بشأن أسعار مقايضات التخلف عن سداد الائتمان، وربما يتم تقييد دويتشه بنك أمام العربة الطائشة، في ضربة أخرى للثقة في البنوك الأوروبية، ونعتقد أن الخطر يكمن في أن مخاوف المستثمرين، سواء كانت مبررة أم لا، ستجبر القضايا الأساسية المقلقة للقطاع المصرفي الأوروبي على الوجود في أرض الواقع.

 

 

خاص_الفابيتا