مؤتمر التعليم العربي

28/02/2023 2
فواز حمد الفواز

لا يكاد تحضر أي ندوة اليوم أو منتدى عالمي أو إقليمي، إلا وتسمع بمصطلح "إصلاح التعليم"، وكأن الجميع ملزم بذكره مهما كان موضوع الندوة. من أوسع دائرة هذا متوقع وفي الأغلب حميد، لأن الإنسان هو الهدف والوسيلة لتحقيق التنمية، بل دليل على الإجماع على أهمية الموضوع، لكن عمليا كلما توسعت الدائرة وعلا السقف ضعف الطرح واختلت العلاقة بين السياسات وتنفيذها من جهة، وضرورة التقدم من جهة أخرى. كثير من الدول التي تصارع لتجد سياسة تنموية فاعلة تقف عند منعطف أهمية التعليم دون حلول تحولية لأسباب كثيرة، أسباب التعثر في إدارة التنمية البشرية والتعليم كمدخلها الرئيس مفهومة، لأننا نطلب المستهدفات نفسها من الهدف والمستهدف، لذلك لا غرابة في الدائرة المغلقة.

فهل الدول التي نجحت بسبب السياسة البشرية الحاسمة، نجحت إما بسبب جودة العنصر البشري وإنتاجيته وإما أن رقي العنصر البشري من أعراض النجاح؟ من منظور اقتصادي يبدو لي أن كسر الدائرة يبدأ من اعتبار العنصر البشري مدخلا "ماديا" لعملية التحديث الاقتصادي لكي تدور العجلة. بعد دوران مستمر تلقي الأعراض والأسباب، تهيئة الاقتصاد بشريا تبدأ من الرأس والقاعدة في آن واحد في كل الدول، إذ دون ذلك تصعب إدارة الحوافز، يقول دوجلاس نورث الفائز بجائزة نوبل في الاقتصاد، إن كل موضوع التنمية يدور حول هيكل الحوافز في المجتمع. الخلل في إدارة الحوافز يعوق التنمية الاقتصادية، لأن البشر تصلهم رسائل متضاربة.

النسق الصحي في علاقات البشر العملية عادة تراتيبي مع العلاقات الإنتاجية لأن الجهد والمصالح والتعليم والمهارات والمواهب تتحد في التوزيع الطبيعي. لذلك كل ما على صانع السياسة البشرية أن يراعي ويشجع التوزيع الطبيعي وانسيابيته بتذليل الصعوبات والنزعات في إدارة الحوافز. الترتيب سياسة متعمدة كما ذكرت من رأس الهرم البيروقراطي إلى القاعدة، المقصود برأس الهرم الطبقة التكنوقراطية التي تدير الوزارات والهيئات الحكومية التنظيمية والرقابية والتنفيذية، هذه الطبقة لا بد أن تكون على درجة موثقة من الكفاءة العلمية والتجربة ومتجانسة لكي يسهل التواصل بينهم، إذ إن الملاحظ في كثير من الأحيان حالة من عدم التجانس.

عرف الصينيون الحاجة إلى التجانس والكفاءة من آلاف الأعوام ولذلك عملوا على اختبار النخبة، وصلت إلى مستوى أعلى حديثا في فرنسا واليابان وسويسرا وسنغافورة بطرق مختلفة أكثر دقة، من مظاهرها الراتب العالي للوزير في سنغافورة والاختبار النظري الصعب في فرنسا للدخول إلى هذه الطبقة والاعتماد على أفضل معهدين لتخريج كوادر الطبقة، والشرط غير المكتوب لخريجي أفضل الجامعات الأمريكية في أمريكا، الرابط بين الطبقة التكنوقراطية والعامة يأتي في حصر طلاب الجامعات على أفضل 40 في المائة من خريجي الثانوية العامة. تساوي الجامعات يجعلها كلها بين المتوسطة والضعيفة، الدول التي تفتح الباب على مصراعيه للجامعات تنتهي بتعليم جامعي في غالبه ضعيف وتحرم التعليم الفني من العناصر الواعدة وهذا يضعف بدوره أيضا، فيدخل المجتمع في دوامة ضعف وشعور بالاستياء والغيرة والحسد من خلال مقارنات هزيلة بسبب سوء الترتيب في إدارة التوزيع التوظيفي للبشر.

نظرة فاحصة لدول المنطقة تجد أنها لا تأخذ بهذا الترتيب، في الأغلب لتفادي تبعات المنافسة، ولذلك كل محاولات التعديل وكثير منها بنيات صادقة، تتجلى النظرة في مثالية التعليم، لكن دون مضامين تخدم تطور المجتمعات، ولذلك تفشل لأنها تبدأ وتنتهي عمليا بعدم قبول التناسق بين هيكل الحوافز والتوزيع الطبيعي والمنافسة الشريفة في المجتمع، الأمثل لدول المنطقة الرجوع إلى المربع الأول وقبول حقيقة أن الإصلاح التعليمي ليس فقط في المعلم والطالب والمدرسة، لكن في الرسائل الضمنية والعميقة القادرة على تغيير أنماط التصرفات والترتيب التعليمي الإنتاجي وليس مجرد التكيف مع ترتيبات غير صحية من الأساس.

 

نقلا عن الاقتصادية