تواجه الطبقة الوسطى الأمريكية أكبر ضربة لوظائفها في الوقت الراهن، بالرغم من أنها أكثر ثراءً من أي وقت مضى بفضل عقد من الأموال الرخيصة وازدهار الثروة، ولطالما حددت هذه الطبقة المصير السياسي لقادة الولايات المتحدة، وفي شهر مارس الماضي، بلغ متوسط الثروة الحقيقية للطبقة الوسطى ذروته، بما في ذلك حقوق الملكية العقارية والأصول المادية الأخرى بالإضافة للتقاعد والمدخرات الأخرى عند 393300 دولار، وهذا هو أعلى مستوى له على الإطلاق.
لا نحتاج إلى تأكيد بأن الطبقة الوسطى في أمريكا باتت في وضع حرج، فهي محشورة الآن بين الثروة الآخذة في الاختفاء والتسريح المتوقع بسبب الركود الذي يلوح في الأفق، وقد سارعت الشركات، التي شجعها الانتعاش بعد الوباء لاكتساب المواهب وملء صفوفها بمديرين متوسطين مهرة، حتى أن المديرين المتوسطين أصبحوا أكثر أهمية الآن من أي وقت مضى.
يهدد الركود الكامن الآن بفعل رفع سعر الفائدة لمستوى قياسي سبل عيش العمال ذوي الياقات البيضاء، والمديرين أصحاب الرواتب الأعلى، أما الوظائف التي كان المجتمع يظن أنها مفتاح تحقيق أحلام الطبقة المتوسطة فقد تم إهمالها تماماً، وهناك جزء كبير من السكان يتعين عليهم تأخير حلم الثراء لأنهم لا يستطيعون العثور على الوظائف التي يريدونها.
مع استمرار مخاوف الشركات الأمريكية من الركود، تجري عمليات التسريح على قدم وساق، وعادةً ما يكون العمال أصحاب الياقات الزرقاء أول من يتم الاستغناء عنه في ظل الانكماش الاقتصادي، لكن الوباء خلق أوضاعاً متناقضة، حيث يظل هؤلاء العمال، مثل العاملين في الخدمات، والتجزئة، والبناء، سلعة مرغوبة، وقبل عام 2020، كان هناك بالفعل نقص في القوى العاملة من ذوي الياقات الزرقاء.
من ناحية أخرى، فإن أمام العمال ذوي الياقات البيضاء طريق صعب، فوظائفهم هي أول من سيتعرض للشطب هذه المرة، فهناك شركة تسلا التي خفضت عدد الموظفين بنسبة 10٪ لصالح المزيد من الوظائف لأصحاب الياقات الزرقاء، وهذا يعنى أن موظفي المكاتب أثبتوا أنهم زائدين عن الحاجة أثناء الوباء، ولننظر إلى التسريح الجماعي للموظفين في قطاع التكنولوجيا، مثل مجموعة ميتا المالكة لـ "فيسبوك" التي استغنت عن 11 ألف موظف، أي ما يقرب من 13 ٪ من قوتها العاملة، مع اعتراف الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرج بأنه أخطأ في تقدير نعمة ما بعد الجائحة الأولية، كما قام إيلون ماسك بتسريح آلاف العاملين في تويتر بعد استحواذه على المنصة الأسبوع الماضي، كما تم تسريح عمال من شركات التجزئة مثل وول مارت.
علاوة على ذلك، يفكر ما يقرب من نصف الرؤساء التنفيذيين في الولايات المتحدة في تقليص قوتهم العاملة خلال الأشهر الستة المقبلة، ونعتقد أن الموجة الأخيرة من عمليات التسريح أعادت النظر بشكل أساسي في صلاحية أصحاب الياقات البيضاء مقابل العمال ذوي الياقات الزرقاء، وهذه في ظل التضخم يمكن أن تكون بمثابة نقطة انعطاف للطبقة المتوسطة التي تقلصت بالفعل قبل فترة طويلة من تفشي الوباء، وهي الآن على المحك.