الاسترليني إلى أين؟

29/09/2022 0
د. خالد رمضان عبد اللطيف

من الواضح أن تهاوي الجنية الاسترليني قلل من خيارات السياسة النقدية في بريطانيا، الأمر الذي خلق حالة من عدم اليقين في الأسواق، وعقد من معدلات التضخم والبطالة، ومن المنتظر أن يعوق النمو طويل الأجل، إذ يترافق تدهور سعر صرف العملة عادة مع تفاقم عجز الميزانية، وأي تاجر عاقل سيتخلص من أي عملة تنخرط حكومتها في اقتراض ضخم، حيث يظل الرهان على العملة أحد طرق التصويت على قوة المؤسسات الداعمة للعملة، الأمر الذي يطرح تساؤلاً عريضاً حول مدى ثقة الأسواق العالمية اليوم بصلابة المؤسسات الاقتصادية العريقة في بريطانيا، وفي مقدمتها بنك انجلترا؟.

بكل وضوح، فإني أعتقد أن المملكة المتحدة الآن في خضم أزمة عملة، ويبدو أن بريطانيا تتجه نحو دوامة نراها عادة في أزمات الأسواق الناشئة، حيث يكافح صانعو السياسة لإعادة تأكيد مصداقيتهم، فلا تزال البلاد تعاني من فجوة عجز في الحساب الجاري، ومع ذلك، لا ينبغي أن نذهب بعيداً، فنتصور مثلاً أن الاقتصاد البريطاني سيواجه مخاطر من قبيل التخلف عن سداد الديون، أو العجز عن دفع أقساط خدمة الديون، حيث تظل المملكة المتحدة دولة مؤسسات راسخة، وقد رأينا جميعاً كيف كان الانتقال الديمقراطي من بوريس جونسون إلى ليز تروس سريعًا جداً، وكيف انتقلت السلطة الملكية بسلاسة، بينما نزل البريطانيون إلى الشوارع للتعبير عن حزنهم على فقدان الملكة الأم التي عمرت لأكثر من تسعة عقود.

وإذا لم يكن التخلف عن السداد أو التضخم المرتفع خيارًا محتملًا في الاقتصاد البريطاني، فما هو شكل الدمار الذي يمكن أن يحدث؟، قطعاً هناك الكثير، والأسواق تعرف ذلك، حيث يمكن أن يؤدي الضعف والتقلب المستمر في أسعار السندات إلى إتلاف النظام المالي، ومن الصعب تخمين ما سيكون عليه التضخم خلال الفترة المقبلة، ولكن إذا استمر هدف بنك إنجلترا البالغ 2٪، فإن معدل الفائدة الحقيقي المتوقع هو 1.77٪، وهذا أعلى من متوسط النمو السنوي للاقتصاد البريطاني البالغ 1.5٪، وعلينا أن ندرك أن تشديد البنك المركزي لسياسته النقدية يقلق الأسواق بشأن قدرة الحكومة البريطانية على دفع فواتيرها.

الأخطر، أن هناك قضية شائكة تتعلق بمدى استمرارية الاسترليني كأداة استثمارية رئيسية، وباعتقادي، فإن الجنيه الاسترليني سيظل ضعيفًا للغاية على المدى القريب، ومن المؤكد أن مديري الأصول في شركات التأمين، أو صناديق الثروة السيادية سواء في آسيا أو الشرق الأوسط سيحتفظون بكميات كبيرة من محافظهم المالية مقومة بالدولار و اليورو على حساب الاسترليني، فليس من المنطقي أن تحتفظ هذه الدول بكميات كبيرة من عملة بلد يبلغ عدد سكانه 68 مليون نسمة، ويشكل ناتجهم الاقتصادي نسبة صغيرة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

وحتى لو لم يتحقق هذا السيناريو بشأن متانة سمعة الاسترليني المستقبلية في أسواق العملات، فإن السياسة المالية المتساهلة للغاية ستخلق الكثير من المتاعب، وبالتالي، فإن بنك إنجلترا سيبقى مشغولًا بتقليص الطلب عبر رفع الفائدة لإبقاء التضخم تحت السيطرة في بلد يتسم برهون عقارية متغيرة السعر، وهذا الأمر سيتسبب في مشاكل مالية عميقة، بالرغم من أن هناك نعمة مختلطة، فالأخبار السارة للمستوردين والسياح البريطانيين، تبقى أخبارًا سيئة للمصدرين البريطانيين، والوظائف، والنمو الاقتصادي.

 

 

خاص_الفابيتا