الاحتياطي الفيدرالي.. والمهمة الصعبة

22/09/2022 3
د. خالد رمضان عبد اللطيف

على مدى أكثر من عام، فشلت توقعات معظم الاقتصاديين بشأن المدى الزمني المطلوب للسيطرة على التضخم، فقد فاتتهم حقيقة تاريخية مذهلة، وهي أن التضخم يستغرق في المدى المتوسط 10 سنوات للعودة إلى مستوى 2٪ بمجرد تجاوزه 5٪، وهذا من واقع البيانات الرسمية المسجلة في الدول المتقدمة على مدى عقود، وهى فترة أطول بكثير من المدة المتفق عليها بين الخبراء الاقتصاديين، حيث يرجح بعضهم هبوط مستويات التضخم في أكبر عشر اقتصادات عالمية إلى 2٪ بحلول عام 2024.

لم تكن ليلة أمس إلا يوماً عصيباً آخر يمر على الأسواق، فقد رفع الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس، وكشف النقاب عن المسار المحتمل للارتفاعات في المستقبل، والأكثر من ذلك، أن الانتخابات النصفية للكونجرس التي اقتربت ستعقد من مهمة الفيدرالي شبه المستحيلة، وربما يستخف المستثمرون مرة أخرى بثبات صانعي السياسة النقدية وتصريحاتهم الوردية في مواجهة أسوأ حقبة للتضخم في أربعة عقود، ويبدو أن خبراء الفيدرالي وكبار موظفيه البيروقراطيين متفائلون للغاية، فهم يعتقدون أن التضخم سيبدأ في التحرك بالاتجاه الصحيح وبوتيرة كافية، حتى يصل إلى 2٪ على المدى المتوسط. 

يتجاهل هذا السيناريو المتفائل المخاطر المتزايدة، فهناك التضخم الذي لم يصل ذروته بعد، والأسواق المضطربة، والاستثمارات المتوقفة، وشبح الحرب في تايوان، الصينية بينما الحرب الروسية التي مزقت سلاسل الإمدادات مرشحة لمزيد من الاشتعال بعد قرار التعبئة الجزئية، بينما لا تزال السياسات المالية فضفاضة، والإصلاحات الهيكلية غائبة قصرياً عن أجندة مناقشات السياسة المالية.

أقر صانعو السياسة النقدية بمحضر اجتماعهم الأخير في يوليو، بأن التضخم ربما يظل مرتفعًا بشكل مؤذي للأسر والشركات، وأشار بعضهم إلى أن أسعار الفائدة ربما تحتاج للبقاء في منطقة مقيدة لبعض الوقت، والمعنى تقييد النمو الاقتصادي من أجل مكافحة التضخم، وبما أن الاحتياطي الفيدرالي أصبح أكثر تشددًا منذ يونيو، فإنه ينوي ترك أسعار الفائدة مرتفعة نسبيًا لفترة أطول مما يتوقعه المستثمرون.

من جهة أخرى، تشير المعطيات الراهنة إلى زيادة قدرها 1.25 نقطة مئوية أخرى بين زيادات الأسعار هذا العام، مما يعني ارتفاعاً بنحو 0.75 نقطة أخرى خلال نوفمبر المقبل، تليها زيادة بمقدار نصف نقطة في ديسمبر، ومع ذلك، فإن توقعات سعر الفائدة النهائي لا ترقى إلى مستوى توقعات بعض الاقتصاديين، حيث يعتقدون أن أسعار الفائدة يجب أن تصل إلى 5٪ قبل أن يبدأ الاحتياطي الفيدرالي في الخفض. 

ستجبر تحركات الفيدرالي الجميع على مراقبته  عن كثب، حيث تمهد إجراءاته الطريق أمام ما ينوي فعله أوائل نوفمبر، وعلينا أن نتبين ملامح هذه الخطة، فقد اعتاد الملاكم الأمريكي الشهير مايك تايسون أن يقول إن كل شخص لديه خطة حتى يتعرض للكم في وجهه، بينما يعتقد الجنرالات أن كل حرب لها خطة حتى المعركة الأولى، وهكذا، يحلو للبعض عقد مقارنة بين خطط الفيدرالي اليوم، وما يفعله جيروم باول، وخطط الفيدرالي بالأمس، وما فعله بول فولكر خلال حقبة الثمانينات حتى نجح في سحق التضخم.

يلعب التضخم دورًا رهيباً في انكماش السوق، فهو أسوأ شيء يمكن أن يصيب الاقتصاد، فقد أدى في الماضي إلى سقوط الإمبراطورية الرومانية، وفي الحاضر إلى انهيار حكومات، ولا يجب أن نغفل الحديث عن مسؤولية النفقات الفيدرالية في تفاقم المشكلات، عندما أسرف الفيدرالي في طباعة الكثير من الدولارات، معتقداً أن الحفلة ستنتهي، ولكن الأمر لم ينته، فهو يشبه مريض وصف له الأطباء حزمة من الأدوية، فإذا تناول 100 حبة دفعة واحدة، فسوف يموت قطعاً، وهذا يعني بالمحصلة، أنه يتعين على المستثمرين الغاضبين اجتياز خمسة مراحل من الأحزان الإجبارية وهى الإنكار، والغضب، والمساومة، والاكتئاب، والقبول.

 
 
 
خاص_الفابيتا