أي مصير ينتظر حرب العملات؟

18/01/2022 0
د. خالد رمضان عبد اللطيف

برغم الأزمات التي تعرض لها الاقتصاد الأمريكي خلال سنوات الجائحة، إلا أن الدولار لا يبدو على وشك فقدان مكانته كعملة أولى عالمياً على المدى القريب، ونعتقد أن كثرة التوقعات بشأن مستقبل العملة الخضراء والتهديدات المباشرة له من العملات الرئيسية تثير أسئلة جوهرية حول إمكانية وجود منافس جدي يستطيع إزاحة الدولار كعملة احتياطية عالمية أولى؟، وهل وجود العملة الأمريكية سيكون مفيداً إذا انفجرت فقاعة الأصول والائتمان؟، وهل ينجح تحالف العملات الكبرى في هزيمة الدولار؟، ومتى يمكن تخفيف هيمنة الدولار الأمريكي على  التجارة الدولية، وكبح غلواء كونه الاختيار الساحق للبنوك المركزية؟.

الحقيقة، أنه لا يمكن إقصاء الدولار عن مكانته كعملة أولى عالمياً إلا إذا فقد قيمته مقارنة بالعملات الأخرى، والتي تعاني حالياً مشاكل خطيرة، وربما تكون هذه العملات في وضع أسوأ من وضع الدولار، إذ يعيش اليورو، المنافس الرئيسي، أزمة حقيقية بسبب الركود الاقتصادي في أوروبا، فالاتحاد الأوروبي على أعتاب أزمة ديون جديدة قد تشكل تهديدا وجودياً لعملته، ومع ذلك، يشير الوضع الراهن إلى أن هيمنة الدولار آخذة في التآكل، وكان تضخم ما بعد الجائحة سببًا في إثارة المخاوف بشأن الحالة المتدهورة للاحتياطي الدولاري، ولكن الظروف التي أدت إلى هيمنة الدولار لمدة قرن من الزمان تعد ظروفًا خارجة عن المألوف، ولهذا، لا نتوقع أن تصبح عملة واحدة هي المهيمنة بشراسة في القرن الحالي.

وهنا يبرز تساؤل، حول العملة التي يمكنها الاستحواذ على حصة من حصة الاحتياطي الدولاري؟، لا شك أن اليورو يأتي في المقدمة، إذ يتمتع بمزايا ضخمة عديدة ترشِّحه ليكون عملة احتياطية عالمية محتملة، فالبنك المركزي الأوروبي يُدار عمومًا بطريقة ثابتة ويمكن التنبؤ بها إلى حد ما، كما يأتي اليورو بالفعل في المرتبة الثانية بوصفه أكبر عملة احتياطية في العالم، مع ما يقرب من 2.5 تريليون يورو (2.94 تريليون دولار) في البنوك المركزية على مستوى العالم.

مع ذلك، تبقى هناك عقبات في طريق زيادة احتياطيات اليورو، وأبرزها سياسيًا وليس اقتصاديًا؛ إذ يمتلك المجلس الحاكم للبنك المركزي الأوروبي السلطة على أسعار الفائدة والجوانب الأخرى للسياسة النقدية لليورو. ويتألف هذا المجلس من مجلس تنفيذي مكون من ستة أعضاء ومحافظين لجميع البنوك المركزية في منطقة اليورو البالغ عددها 19. ويعني هذا أن أي صراعات بين الدول الأعضاء بشأن السياسة النقدية قد يؤدي إلى جمود أو انهيار في الحوكمة؛ مما يتسبب في حدوث مخاطر على الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الموحد.

هنا تبرز مشكلة أخرى، وهي أن البنك المركزي الأوروبي لم يصدر سندات لسنوات عديدة، وهذا الأمر يزيد من مخاطر استخدام اليورو بوصفه عملة احتياطية، وقد أدى الافتقار إلى سندات اليورو إلى تقييد دور احتياطي اليورو، لكن هذا الوضع تغير خلال الجائحة؛ إذ أعلن الاتحاد الأوروبي خلال الأزمة أنه سيبدأ أول إصدار واسع النطاق للديون المشتركة على مستوى أوروبا لتمويل تدابير التعافي، وحظيت هذه السندات بقبول حسن في الأسواق، ومن الصعب التنبؤ بمقدار السندات، أكثيرة هي أم لا؟، ولكنها خطوة تمثل نوعًا ما كسراً للجليد، ونتوقع أن يكون هناك المزيد منها في المستقبل، فإصدار الديون المشتركة سيزيد من التماسك السياسي في القارة العجوز.

في المقابل، لا يمكن للعملتين اليابانية والصينية، الين واليوان، أن تمثلا تهديداً حقيقيا للدولار في الوقت الراهن لأنهما لا تستخدمان على نطاق واسع عالمياً، فطموح اليابان لم يرقَ أبدًا إلى امتلاك عملة احتياطي عالمية، إذ تعيش عجزا قياسياً بالميزانية، كما أن معظم الديون اليابانية هي ديون محلية؛ مما يجعل المعروض من الاحتياطيات المقوَّمة بالين محدود جدًّا، فيما تشهد الصين أزمة ديون حادة وتفرض قيوداً صارمة على رأس المال، مما يستبعد إمكانية اعتماد عملتها على نطاق عالمي كبديل للدولار، ولهذا، لا يتوقع نجاح اليوان بوصفه عملة احتياطية في وقت قريب، بسبب قلة الثقة في الاستقرار السياسي الصيني وسيادة القانون.

ولكي يصبح اليوان عملة احتياطية فعالة، يجب أن يكون قابلًا للتداول بحرية، وأن تكون احتياطيات الدول سائلة تمامًا أو جزئيًّا حتى تكون مستعدة لتحولات كبيرة مفاجئة في ظروف السوق، مثل جائحة كورونا، ولهذا، يتعين على الصين السماح بالتدفقات الحرة لرأس المال داخل حدودها وخارجها، والحقيقة، أن هناك عاملاً جباراً يدعم وضع الدولار في الأسواق العالمية، وهو سمعة الاقتصاد الأمريكي كملاذ استثماري آمن، فعندما تبدأ البنوك المركزية باعتماد سياسات التضييق والتشديد، سيبدأ المستثمرون تلقائياً في البحث مجدداً عن الملاذ الآمن الذي توفره لهم سندات الخزينة الأمريكية، ومن المفيد أن نشير هنا إلى أن الأمريكيون في المجمل ليسوا قلقين بشأن الدولار، بل إن ما يقلقهم هو العجز الضخم في الميزانية ومستويات الدين المتراكمة  التي قد تشكل عبئاً ثقيلاً على أبنائهم وأحفادهم فثي المستقبل.

 
 
 
 
 
خاص_الفابيتا