موجات الغلاء.. ومأزق الفقراء

10/10/2021 0
د. خالد رمضان عبد اللطيف

لا زالت موجات الغلاء الفاحش تضرب العالم كبيره وصغيره منذ 2011، مما يعني أن المستهلكين بحاجة إلى إنفاق المزيد من الأموال، رغم تدني دخول الأفراد، وليس من المرجح أن تتحسن أسعار الغذاء العالمية قريباً بسبب الطقس القاسي ونقص العمالة وارتفاع تكاليف الشحن بنحو 537% عن متوسطات السنوات الخمس الماضية، ولا شك أن ارتفاع التكاليف سيجلب معه زيادات جديدة في أسعار السلع والخدمات المساندة.

تعمد الحكومات في الوقت الحالي إلى تقديم المزيد من المساعدات، وتوجه البائعين الكبار لخفض الأسعار، بينما تتدخل في قواعد التجارة للتخفيف من تأثير الارتفاعات على المستهلكين بشكل مؤقت، لأنها لا تستطيع فعل ذلك للأبد، ومن المعلوم أن مؤشر أسعار الغذاء لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو" صمم لتسجيل نتائج التغييرات في المجموعة الغذائية، بما فيها الزيوت النباتية، والحبوب، واللحوم، والسكر، وإجراء موازنة بينها شهرًا بشهر، ويحول هذا المؤشر الأسعار الفعلية إلى مؤشر يوازن بمتوسط مستويات الأسعار بين عامي 2002 و2004، وهذا هو المصدر القياسي لتتبع أسعار المواد الغذائية، التي تعرف بـ"الأسعار الأسمية"، مما يعني أنها لم تُعدل وفقاً للتضخم الحاصل.

بناءً على الأسعار الحقيقية، أضحى شراء الطعام في السوق الدولية اليوم أصعب مما كان عليه في كل عام تقريبًا منذ أن بدأت الأمم المتحدة في حفظ السجلات عام 1961، والاستثناءات الوحيدة هي العامان 1974 و1975، حين حدثت ارتفاعات شديدة في أسعار المواد الغذائية عقب ارتفاع أسعار النفط عام 1973؛ الأمر الذي أدى إلى تضخم سريع في أجزاء كثيرة من الاقتصاد العالمي بما فيها إنتاج الغذاء وتوزيعه.

تبدو العوامل المحركة لأسعار المواد الغذائية معقدة؛ إذ ترتفع وتنخفض بناءً على عوامل عالمية، فمثلًا أثَّر ارتفاع أسعار النفط الذي بدأ في أبريل 2020 على أسعار جميع السلع الغذائية المدرجة على مؤشر الفاو بفعل زيادة تكاليف الإنتاج ونقل الغذاء، حيث أدى نقص العمالة إلى قلة توفر أيادي لزراعة السلع الغذائية وحصادها وتوزيعها، وهو سبب آخر لارتفاع أسعار السلع الأساسية.

منذ عام 2000، ومتوسط أسعار الأغذية في تزايد مستمر؛ عكس الاتجاه السابق المتمثل في الانخفاض المستمر في الأسعار منذ بداية الستينات، وبالرغم من الجهود الأممية والدولية بالحد من الجوع، إلا أن الأسعار المرتفعة صعبت الحصول على الغذاء، ومن المعروف أنه لا توجد سلعة واحدة مسؤولة عن الزيادة في الأسعار، لكن مؤشر أسعار زيوت الطعام ارتفع على نحو ملحوظ منذ مارس2020 بسبب ارتفاع الطلب على وقود الديزل الحيوي، والطقس المتطرف.

يعد السكر ضمن الفئات الغذائية التي زادت من ارتفاع الأسعار، حيث أدى الصقيع في البرازيل، إلى هبوط سلاسل التوريد وتضخم الأسعار، أما محاصيل الحبوب، فأسهمت بزيادة أقل في الأسعار، إذ يمثل القمح، والشعير، والذرة، والدُخان، والأرز 50% على الأقل من التغذية العالمية، وما يصل إلى 80% في البلدان الأكثر فقرًا، علماً بأن المخزونات الاحتياطية من هذه المحاصيل آخذة في الانخفاض منذ عام 2017.

تشير تقارير "الفاو" المتكررة إلى انخفاض توقعات الحصاد والإنتاج والمحاصيل المتضررة بفعل الطقس السيء، والمؤكد أن قدراتنا التكنولوجية والاقتصادية لا تستطيع إدارة الطقس غير المواتي بنجاح، وربما يكون هذا هو الوقت المناسب لتخيل صورة إمدادات الغذاء في عصر الاحتباس الحراري، ومن دون تغييرات جذرية، سيحد تدهور المناخ من الوصول إلى إمدادات الغذاء، متجاوزًا بكثير أي سابقة تاريخية، وسيؤدي ارتفاع الأسعار بالنهاية إلى تهديد الأمن الغذائي للعالم خلال العقود المقبلة. 

 

خاص_الفابيتا