التطورات الأخيرة في أفغانستان جزء من عملية تاريخية متواصلة تبني على الماضي وتتأثر بالخيارات والظروف الآنية. هذه العملية الجدلية أوصلت البلد إلى حالة يرثى لها. علق في أذهان كثيرين تجربة أفغانستان منذ الغزو السوفياتي في 1979 وما تلاه، لكن أيضا لأفغانستان تجربة تنموية فريدة لأسباب موضوعية خاصة بها نحاول التطرق لبعض عناصرها. لا شك أنها منذ الغزو والاحتلال الأمريكي بدأت أيضا بنهضة اقتصادية على الأقل في كابل، لكنها انتهت تدريجيا بتجربة من أقسى التجارب الاقتصادية عالميا وفي ذيل القائمة لأغلب التصنيفات والمعايير الاقتصادية والبشرية، فحجم اقتصاد أفغانستان التي يبلغ عدد سكانها 38 مليونا طبقا للبنك الدولي يصل إلى نحو 20 مليار دولار، أي: يعادل اقتصاد أيسلندا التي يبلغ عدد سكانها 400 ألف.
تتبع تجارب الدول النامية غالبا يدور في أفق الاقتصاد السياسي لسبب عملي مباشر، إذ لا يمكن تخيل المستوى الذي وصلت إليه الأمور في أفغانستان دون التجربة والعوامل السياسية، بغض النظر عن الآراء والإسقاطات السياسية أيا كان مصادرها. دور حيثيات الاقتصاد الفني تأتي في مراحل الإدارة ووضوح الخيارات وتحليل الممكنات، وهذه مرحلة تحتاج إلى وقت لحين تحقيق درجة عالية من الاستقرار والتمكين الإداري.
بعض من التاريخ ضروري لفهم السياق التاريخي، فمثلا منذ نهاية الخمسينيات بدأت أفغانستان تحت إدارة الملك ظاهر شاه ورئيس الوزراء داود خان بفترة انفتاح وتحرر وعلاقات سياسية وتجارية مع الشرق والغرب، لكن كان هناك انقسام من ناحية أخرى، إذ تنامى في الستينيات توجه الجيش لعلاقات بشرية مع الاتحاد السوفياتي، بينما القطاعات المدنية استمرت مع الدول الغربية، لأسباب كثيرة وجدلية استولى العسكر على الحكم، ما جر الاتحاد السوفياتي إلى التدخل في 1979، والبقية كما يقال معروفة. طبقا للبنك الدولي تشكل المساعدات الدولية 43 في المائة من الميزانية الأفغانية لعام 2020، فهذه نسبة غير قابلة الاستدامة، بل الأغلب أن تتناقص، خاصة أنها ستخضع لمساومات وتجاذبات سياسية قد لا تخدم أفغانستان. أحد مظاهر الإشكالية أن هناك هجرة للأدمغة الإدارية والفنية، بينما البلد في أشد الحاجة إلى إعادة التأهيل والإعداد لمرحلة جديدة.
لا أحد يعرف كيف ستؤول الأوضاع السياسية وخيارات النخبة ودور الدول الفاعلة والجيران وحالة المؤسسات المجتمعية وقدرتها على التعاون في ظل ظروف دقيقة. الثابت أن الظروف الموضوعية صعبة ومعقدة، لكن ليس هناك بديل من خيارات وطنية تركز على الشأن الداخلي تبدأه بالحاجة إلى دولة مركزية قوية تستطيع تأمين الاستقرار والعدالة وانسياب طرق التجارة واستقرار المنظومة المالية. إذا تمكنت أفغانستان من تحقيق الاستقرار، فهناك بعض الخيارات الاقتصادية لتمكين المجتمع تدريجيا. ستحتاج أفغانستان إلى مساعدات مالية وعينية وإدارية وفنية ضرورية لإعادة الثقة، وتحقيق شرارة نمو، لكنها لن تكفي دون أدوار استثنائية من فئات أفغانية متعددة.
أفغانستان بلد يسكن أغلب سكانه الأرياف، لذلك لا بد من تشجيع الزراعة العرفية، لأنها الأكثر توظيفا تاريخيا، كذلك لا بد من رفع أي قيود على التجارة الداخلية وتشجيع تحويلات الأفغان العاملين في الخارج، فهذه عادة من أهم مصادر العملات الصعبة للبلد. مرة أخرى تمر أفغانستان بنقطة تحول مهمة يصعب التنبؤ بتبعاتها، لكن ما نعرفه هو مدى حاجة أفغانستان إلى الاستقرار والتقدم والتعلم من تجارب الماضي، وتقليل دور الدول الأقوى في الشؤون الداخلية. لا تستطيع أفغانستان الاستغناء عن الخارج، خاصة أنها بلد دون منفذ بحري، لكن لا بد من توازن جديد بين استحقاقات الداخل وضرورة أهمية الخارج.
نقلا عن الاقتصادية
بلد كان تحت احتلال الروس عشر سنوات ( 1979_1989 م ) ثم حروب داخليه بالوكاله لمدة 13 سنه ( 1989_ 2001 م ) ثم احتلال امريكي لمدة عشرين سنه ( 2001_2021 م ) ...المجموع 42 سنه من الحروب وعدم الاستقرار !! ...يحتاج الى وقت طويل لاعادة البناء والاستقرار هذا اذا لم يتم التدخل في شؤونهم من جديد .....اعانهم الله ....