محاولة قراءة ترمب اقتصاديا

18/02/2025 0
فواز حمد الفواز

في الاقتصاد دائما يقال قبل السؤال عن التوجهات والسياسات المقترحة ما هي الحالة والهيئة العامة والشروط الموضوعية التي تدفع وتمكن التوجهات الجديدة؟. فحين لا يكون هناك إجماع على توصيف الحالة اليوم لن يكون هناك ضبط للخيارات المقبلة. ليس لدي تنبؤات ولكن محاولة لرصد الحالة اليوم وتلمس الخيارات الممكنة والسياسات من التموضعات الجديدة عالميا في ظل ما ينادي به ترمب. تتشكل الحالة الأمريكية في دائرة الاقتصاد السياسي من خلال عدة عناصر.

أولا: التميز بالنمو المقبول مقارنة بأوروبا واليابان والصين (لأن الأمور دائما نسبية النمو في الصين أعلى من أمريكا ولكن هناك تلكؤ في التحول الاقتصاد الصيني من معتمد على التصدير إلى اقتصاد أكثر توازن بين التصدير والاستهلاك)، بينما بقية دول البركس ليست في تجانس اقتصادي أو سياسي في ما بينها أو في علاقتها مع أمريكا.

ثانيا: هناك عجز مبرر من عجز تجاري وميزاني على مدى سنوات طويلة، لذلك جاء تأسيس وزارة يترأسها إليون ماسك في وضع استثنائي للتعامل مع تكلفة وترشيد الإنفاق العام الذي بدأ يتصادم مع جهات عديدة.

ثالثا، وصل الدين العام في وقت السلم إلى مستويات لم يصلها منذ الحرب الثانية، مستوى مخيف حين تصل خدمة الدين إلى مستوى ما تنفق الحكومة على خدمات التعليم والصحة، حيث حذر Ray Dalio في كتابة كيف تفلس الدول من خلال شرحه عن دورات الدين على مدى الخمسة القرون الماضية.

رابعا، أحد أسباب نجاح ترمب في الانتخابات، التضخم ولكن طرح ترمب في رفع التعرفة الجمركية وتهجير عمال أجانب أغلبهم في الزراعة أو الإنشاءات والفندقة قد يرفع التضخم (بل كما شهدنا في آخر الأرقام أن التضخم في ارتفاع محدود حتى قبل تطبيق سياسات ترمب).

خامسا، لدى ترمب حماس لمصلحة قطاع الوقود الأحفوري إذ يرغب في استغلال الميزة النسبية لدى أمريكا في النفط والغاز الأحفوري وبالتالي تذليل العقبات التنظيمية للصناعة والحد من الاندفاع نحو المبالغة في السياسات البيئية، مقابل أن قرار رفع الإنتاج غالبا لدى الشركات خاصة أن خفض الأسعار لا يحفز الشركات لرفع الإنتاج.

سادسا، يعرف عن ترمب وربما لأنه مطور عقاري سابق رغبة في خفض الفائدة لتشجيع الاستثمارات وربما خفض تكلفة الدين ولكن هذا غالبا يتعارض مع السيطرة على التضخم كما أن له تأثير مباشر في الدولار وبالتالي على تكلفة الواردات وبالتالي التضخم وجذب الاستثمارات.

سابعا، طرح ترمب يدغدغ الناحية "الانعزالية" في السياسة الأمريكية وبالتالي عدم الرغبة في الحروب وبالتالي ربما رغبة في تخفيض نفقات الدفاع خاصة أن مصروفات الدفاع الأمريكية أعلى من الـ8 دول التي بعدها مجتمعه، ربما انخفاض أسهم شركات الدفاع مؤشر على هذه التوجهات.

ثامنا، هناك لهفه على الاستثمارات الأجنبية لأن أمريكا لديها قناعه بمدى تخلف البنية التحتية مقارنه بشرق آسيا ومناطق أخرى مثل الخليج.

تاسعا، هناك قلق أمريكي وربما غربي من خسارة القيادة الحضارية مقابل الصين و خاصة في التقنية مثل الذكاء الاصطناعي والصناعات المستقبلية الأخرى.

عاشرا، أمريكا تمر بحالة التباس داخلي بين السياسات التي قامت على الإنفاق العام واسقطاته الاجتماعية والإعلامية من ناحية و بين التركيبة الأمريكية في المخيلة والشخصية العامة بأن أمريكا بلد استثنائي يتميز بالحرية والفرص والمنافسة الشريفه.

هذه العناصر تشكل بيئة قد تشرح الجدل والتناقض ومحاولات تفسير وقراءة تصرفات ترمب. لكن المتبصر في هذه العناصر سيجد ثمة صعوبات وتناقضات في سلم الخيارات الممكنة وتأثير تراكم الزمن وتغير البيئة العامة عالميا ودور الدورات السياسية الانتخابية في أمريكا وعمر الرئيس والتناقص السكاني وعدم الانسجام والانضباط الحزبي لأسباب تخص طبيعة التركيبة والتاريخ السياسي في أمريكا. يقابل هذه التحليل محاولة لقراءة سيكولوجية شخصية ترمب وهذه تحتاج عمود آخر، فهي من ناحية دليل على تفرد أمريكا بتشكيل سياسي يسمح للفرد أكثر من الحزب بمساحة بالمقارنة مع ديمقراطيات أوروبا واليابان وحتى الهند، و من ناحية اثبتت أمريكا القدرة على التجديد لإعادة التموضع بالرغم من الأخطاء واختلافات الطرح بين الرؤساء، إذ أن هناك مكونات مستدامه وأخرى عابره. تقييم الإدارة من خلال تحليل وقياس وتفاعل هذه العناصر العشرة بعد أول عام.

 

 

نقلا عن الاقتصادية