قرأت كتاب Why Empires Fall: Rome,America and the Future of the West، وهو كتاب قصير لموضوع معقد، مادته تاريخ الاقتصاد السياسي، لمؤلفين أحدهما Heather أستاذ التاريخ، والآخر Rapley أستاذ الاقتصاد السياسي. موضوع مهم لأن الحديث عن "نهاية" الإمبراطورية الأمريكية لا ينتهي، وله تبعات تهم الجميع بأي طريق أو لون سياسي تأخذه هذه التوجهات والتعامل معها. الكتاب مقسم بطريقة تجمع بين التسلسل التاريخي والعوامل المحركة والمقارنة الموضوعية، في القسم الأول يراجع الكتاب العوامل التي قادت إلى سقوط الإمبراطورية الرومانية، كالتهديدات الخارجية والتآكل الداخلي والتكاليف والإدارة الاقتصادية وضعف القيادات لفترات مؤثرة. مراجعة هذه العوامل تعطي القارئ قاعدة لتفهم السياق التاريخي والآليات العملية التي تؤثر في قيادة الدول والإمبراطوريات. ثم ينتقل في القسم التالي إلى المقارنة بين روما واحتمالات التغير في أمريكا. يراجع الكتاب الفترة من 399 حتى 1999 والدورة التاريخية والعوامل المؤثرة الداخلية والخارجية، رغم الاختلافات الجوهرية، خاصة التدرج الزمني، إلا أن الكتاب يجد أوجه التماثل من خلال مراجعة موضوعية للعوامل المؤثرة التي أدت إلى سقوط روما، وما يواجه أمريكا اليوم من تحديات، فمثلا يتحدثون عن تآكل الأخلاق والقيم، وعدم العدالة في توزيع الثروات والدخل، والاهتمام بالعسكرة خارجيا، وعدد من الضغوط الاقتصادية، عوامل في مجملها ترفع تساؤلات حول الاستمرارية. يذكر الكتاب أنه من بعد الألفية والغرب يظهر عليه الإعياء وبذور الفشل متمثل بالمطلق، إذا أخذنا بالعوامل آنفة الذكر، ومقارنة بالأمم الأخرى التي بدأت تحقق نجاحات اقتصادية وعلمية ودرجة أعلى من الانضباط المجتمعي، وأحيانا أفضل حوكمة.
ميزة هذا الكتاب أنه رغم أنه في نحو 200 صفحة من القطع الصغير، وتعامله مع أحداث تاريخية جسام، ومقارنة بما يدور في الغرب المعاصر، إلا أنه أعطى موضوعا معقدا حقه من التحليل والربط بين التاريخ والمعاصرة بطريقة أعطت الموضوع حقه. كما أن أسلوب الكتابة سهل، ما يجعل الكتاب سهلا للعامة ومفيدا للمتخصص. فلم يتنازل في التحليل بدعوى الاختصار. لفت نظري في النهاية ما ذكر أن الغرب استفاد كثيرا من ثروات المستعمرات لتحقيق فائض، مكنه من نمو ساعده كثيرا على القفزات الاقتصادية، لكن ليست الأساس في تحقيق نهضة معرفية وعلمية. يقول الكتاب إن الغرب بعدما استهلك وانتهت الحقبة الاستعمارية بدأ بالتوسع في توظيف سوق (السندات) للاقتراض بغرض تمويل كثير من احتياجاته الداخلية والخارجية. ولذلك استسهل الدين وأخذ في الارتفاع دون علاقة وثيقة بالنشاطات الاقتصادية، حتى العدالة المجتمعية والعلاقات السلسة مع الدول والحضارات الأخرى. كذلك أجد الكتاب مفيدا من حيث أهمية الشأن المالي، لأنه عامل أمان ومساحة للتعامل مع الأزمات والأخطاء.
كتاب ممتع ومفيد، ولعلها مفاجأة أنهما استطاعا الجمع بين الاختصار والمراجع وتوثيق العوامل المؤثرة بأمثلة وحوادث تاريخية داخلية وخارجية. ربما ينتقده بعض في الأخير، لأنه لم يقدم حلولا أو اقتراحات لصناع السياسة أو المهتمين. لكن هذا سيأخذه إلى مسارات وتقدير وحكم على السياسات المعاصرة، وبالتالي يبعدنا عن التاريخ الاقتصادي.
نقلا عن الاقتصادية