"الشيء الوحيد الذي يجب أن نخشاه هو الخوف نفسه".. هذا هو فحوى أول خطاب للرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، أثناء فترة الكساد الكبير عام 1933، وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإن بعض الذين يشبهون الاقتصاد العالمي أثناء جائحة كورونا بفترة الكساد العظيم، يتساءلون كيف أصبح العالم وكأنه يمشي على الماء، فلا يبالي بارتفاع معدلات التضخم حتى عنان السماء، ولماذا لا يلقي بالاً لعجز الساسة في معالجة الأزمات الاقتصادية، أو استمرار سيناريو الاقتراض الطائش في الولايات المتحدة، ولماذا يثق المستثمرون في قدرة الاقتصاد على التعافي، وكيف أصبحنا نُـحْـكَم بخوف مرضي يتغذى على أحداث جيوسياسية مروعة، فتبقى أسعار الفائدة طويلة الأجل في انخفاض، بينما تستمر المشكلات التي تنضج على نار هادئة دون حل نهائي؟.
لا شك أنها أسئلة مشروعة، إذ لا نستطيع أن نزعم أن المستثمرون يتصرفون على نحو هستيري فقط لأن اهتمامهم تزايد بعض الشيء بالتوقعات الاقتصادية على الأمد البعيد، ونتيجة لهذا يسارعون في شراء السندات وصكوك الدين باعتبارها صمام أمان للمستقبل، فنحن في الحقيقة نفتقر إلى أية تفسيرات أخرى مقنعة، ومن المؤكد أن الأسواق الناشئة كانت منهمكة في أنشطة ادخارية غير عادية، حتى تتمكن من إعادة بناء الاحتياطيات وتحسين موازناتها، ولكن لا أحد يتوقع أن يستمر هذا إلى الأبد، فالموقف الراهن عبارة عن لغز عويص.
عادة ما يترجم النمو السريع إلى ارتفاع في أسعار الفائدة على القروض طويلة الأجل، ما لم يتمكن الخوف والقلق من أعماق الناس، فإذا افترضنا أن المستثمرون قلقون بشأن استمرار تبعات الجائحة خلال السنوات القادمة فمن المحتمل إلى حد كبير أن تتعايش أسعار الفائدة شديدة الانخفاض مع النمو القوي، وقد شهدنا خلال حقبة الخمسينيات والستينيات فترات ذهبية للاقتصاد، فقد كانت أوروبا والولايات المتحدة واليابان ينعمون بالازدهار، بينما كانت أسعار الفائدة على وجه العموم أقل كثيراً من معدلات النمو الاقتصادي.
ينسي المتفائلون بخمسينيات وستينيات القرن الماضي أن تلك الفترة شهدت انعداماً للشعور بالأمان، فقد كان الناس يتخوفون نشوب حرب عالمية ثالثة، ولهذا، ساعد شبح نهاية العالم على تخفيض تكاليف الإقراض، ومن حسن الحظ أن مخاوف المستثمرين لم تتحقق، والواقع أن الحالة النفسية الجمعية للمستثمرين الآن تتسم بالهشاشة إلى حد بعيد، وإذا ما تحلى هؤلاء بالهدوء في أي وقت فسوف ترتفع أسعار الفائدة على نحو سريع وضخم، وهذا الأمر سيرفع بكل تأكيد من حرارة الخلل الاقتصادي إلى نقطة الغليان.
في السابق، كان الاقتصاد التقليدي قائمًا بالأساس على نموذج "التوقع العقلاني"، الذي يفترض أن الشخص العقلاني يزن التكاليف والفوائد بشكل صحيح ومحسوب، ومن ثم يحدد أفضل الخيارات لنفسه، لكن الاقتصاد السلوكي يثبت أن البشر لديهم قدرات إدراكية محدودة، لذا يواجهون صعوبة كبيرة في ضبط أنفسهم، وقد قدم علم الاقتصاد السلوكي تفسيرات كثيرة لما أخفق في تفسيره الاقتصاد التقليدي، إذ كثيرًا ما تصبح المعطيات الاقتصادية من أرقام وإحصاءات هامشية أمام شعور متخذ القرار الاقتصادي بالخوف أو الطمع.
تعد ظاهرة الخوف من ضياع الفرصة أكثر ما يجمع المستهلكين، حيث تجعلهم يغيرون المنتج الذي تعودوا عليه ويفضلونه لتجربة منتج جديد، وتدفعهم إلى التكالب على شراء العروض مخفضة الأسعار التي قد لا يحتاجون إليها، كما قد تدفع الناس للإقبال على الشراء فوق الحاجة لتأمين أنفسهم من أي ارتفاع مفاجئ في الأسعار، ولعل انفجار فقاعة الدوت كوم والرهن العقاري أمثلة جيدة على الدور الذي يلعبه الطمع والخوف في التأثير على قرارات المستثمرين المالية، ولا ننسى أن الناس باتت تخشى فقدان وظائفها لدرجة تجعلها مستعدة لقبول ظروف العمل حتى لو تدهورت، لأنه من الصعب أن تعمل مع شعورك بأنك قد تكون التالي الذي يتم الاستغناء عنه، فهذا الأمر يخلق جواً من القلق والخوف والغضب.
خاص_الفابيتا