يبدو أن هدف الأمم المتحدة في القضاء التام على الجوع بحلول 2030، أصبح بعيد المنال، فالتداعيات الكارثية للجائحة تبقي حوالي 10 في المائة من سكان العالم بدون طعام كافي، وقد تستمر الأزمة الطاحنة لسنوات، ولا سيما مع صعوبة الوصول إلى مرحلة تطعيم القطيع في الدول الفقيرة، بينما لا تملك البلدان الهشة الكفاءة لإنعاش اقتصاداتها وحل مشكلاتها المناخية، إذ يرزح بعضها تحت اضطرابات سياسية عميقة؛ مما يضع عشرات الملايين تحت رحمة المساعدات الإنسانية، ففيما يرزح حوالي 142 مليون شخص تحت الجوع بدرجات متفاوتة، يواجه 155 ألف شخص حول العالم خطر الموت جوعًا، بعدما سحقت الإغلاقات أمعائهم بكلتا قدميها.
من المحزن أن تتوسع رقعة المجاعة بشكل غير مسبوق في التاريخ المعاصر، مدفوعة باستمرار الصراعات المسلحة، واللامساواة، والتغير المناخي، ووباء كورونا الذي تسبب في أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب العالمية الثانية، بحيث بات البلدان الهشة الأكثر تضرراً، ودفع فقراؤها فاتورة باهظة، في ظل البطالة وموجات الغلاء الفاحش، وبالرغم من أن العالم تعرض لأزمات جوع حادة من قبل، إلا أن تلك الأزمات كانت إقليمية وناجمة عن عامل واحد أو آخر؛ مثل طقس عنيف أو انكماش اقتصادي أو حروب أو عدم استقرار سياسي، بينما أزمة الجوع الراهنة عالمية وناجمة عن عديد من العوامل المرتبطة بالفيروس القاتل وتوقف شبه كامل للنظام الاقتصادي.
عمقت الجائحة الأزمة بشكل دراماتيكي، وفضحت انعدام المساواة في العالم، حيث يواصل الأغنياء التمتع بتراكم ثرواتهم بوتيرة متسارعة، بينما يفتقد الفقراء المأكل والمشرب والحاجيات الضرورية، وهو ما يفسر انتقال عدد الجائعين من خانة 136 مليون في 2019، إلى 155 مليون جائع في 2020، أي بزيادة 19 مليون شخص في ظرف سنة واحدة، إذ لم يساو الوباء بين الناس، بل كان كاشفًا عظيمًا للمستور؛ وأظهر الانقسام الطبقي، وفجوة اللامساواة، حيث يشكل الغنى والفقر قوة حاسمة لتحديد من سيحصل على الطعام ومن لا يحصل عليه، ومن يقتنص التطعيم أولاً، ومن يحصل عليه بشق الأنفس.
لا شك أن فاجعة الحروب المدمرة تعد المحرك الرئيس للأزمات الغذائية، وهناك علاقة عضوية بين الصراع والجوع، إذ يعزز كل منهما الآخر، وبالتالي لا يمكن حلهما بشكل منفصل، فالصراع يجبر الناس على مغادرة منازلهم وأراضيهم ووظائفهم، ويعطل التجارة والصناعة والزراعة ؛ مما يفاقم الجوع، والذي بدوره يقود إلى الصراع نتيجة التنافس على الموارد الشحيحة، وكلما زادت أعداد الجياع، ازداد الصراع.
الاضطرابات المناخية لها نصيب وافر في تأجيج الأزمة، فقد تسببت موجات الجفاف والفيضانات في إحداث الفوضى في أجزاء كثيرة من أفريقيا، والشرق الأوسط، وجنوب آسيا وأمريكا الجنوبية، وكان الطقس السيء سبباً في دخول 16 مليون شخص في أزمة غذائية بـ15 دولة، على وقع خسائر فادحة في المحاصيل الزراعية والماشية وتدمير المنازل وتشريد السكان المحليين، مما أفقد الملايين سبل العيش الكريم وأعجزهم عن توفير الغذاء الكافي.
السؤال المنطقي الآن هو: كيف نقضي على الجوع أو على الأقل نقلم أظافره؟، أولاً لابد من تسريع التعاون الدولي لإحلال السلام في مناطق الحروب، إذ سيساعد ذلك في وقف تدفق الجوعى واللاجئين والمهاجرين، كما يجب تخزين الطعام بشكل مسبق في المناطق الأكثر عُرضة للخطر لتجنيب الملايين مصيبة الموت جوعاً، ولابد من التزام المانحين الدوليين بالتبرع لعدة سنوات قادمة لإحداث تأثير واسع النطاق يتجاوز احتواء حالات الطوارئ مع التركيز على توجيه المساعدات للنساء والأطفال "الضحايا الكلاسيكيين" لسوء التغذية، بالإضافة لذلك، يجب تعزيز قدرة المجتمعات على الصمود في مواجهة الجائحة، وتقديم الدعم للأطفال بعد أن تسبب إغلاق المدارس في حرمان نحو 370 مليون طفل حول العالم من فرصة التعليم، ومن ثم الحصول على الوجبات المدرسية.
خاص_الفابيتا