هل تنجح وصفة خان لإعادة البريق للاقتصاد اللندني؟

10/05/2021 0
د. خالد رمضان عبد اللطيف

"وظائف، وظائف، وظائف".. ليست هذه عبارات حصرية فقط للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وإن كان هو أشهر من استخدمها خلال السنوات الأخيرة، فقد تكررت هذه الكلمات مراراً مؤخراً على لسان صادق خان، عمدة مدينة لندن، الفائز مجدداً بولاية ثانية في الانتخابات الأخيرة، والمناسبة أنه وعد ناخبيه بتنشيط اقتصاد عاصمة الضباب التي عانت الأمرّين على وقع جائحة كورونا، التي أودت بحياة أكثر من 18 ألفًا من سكان لندن، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست"، وبالنسبة لمدينة تعتمد على مركزها المالي الرائد وصناعة السياحة، فإن أحداث جسام مثل هذه تعد بمثابة كوارث اقتصادية.

الأخطر من ذلك، أن لندن تواجه مشكلات أكبر مما تواجهه بعض مثيلاتها في الغرب مثل باريس أو نيويورك، فقد فقدت خلال عام 2020 حوالي 14 مليار دولار من الإيرادات السياحية، بينما خسر قطاع الفن والثقافة 10% من الوظائف بشكل نهائي، وهو قطاع مهم يعنى بتوظيف نحو 26 ألف شخص، وهناك أكثر من مليون نسمة من سكان لندن في إجازة حالياً، ويعلم صادق خان جيداً الأهمية الاقتصادية للمدينة في الناتج المحلي الإجمالي لبلاده، إذ تضخ سنوياً أكثر من 40 مليار دولار في خزينة الدولة، ولهذا سيحاول الضغط على الحكومة لتقديم المزيد من الدعم المالي، وإقرار إعفاءات ضريبية وتحفيزات مالية لرجال الأعمال من أجل إعادة النشاط التجاري.

يكفي التدليل على أهمية لندن في المملكة المتحدة، أن مجلس منطقة "ويست منستر" وهو واحد من عشرات المجالس في العاصمة، يحقق إيرادات بنحو ربع مليار دولار، وهو رقم يفوق إيرادات مدن مانشستر وليفربول وبيرمنجهام مجتمعة، وعمليا فإن لندن تعد دولة وليست مدينة عادية، والحقيقة، أنه من الصعب الحكم على تجربة خان الاقتصادية إبان ولايته الأولى، إذ مرت العاصمة بظروف استثنائية خلال سنوات ولايته، بداية من تمرير الطلاق الأوروبي بشكل نهائي، وانتهاءً بتفشي الوباء القاتل، ومع ذلك تبقى النقطة المضيئة في تجربة خان القصيرة متمثلة في مشروعه الطموح بتحويل لندن إلى مدينة خضراء.

ضمن وصفته للنجاح، يعتزم عمدة لندن العمّالي الهوى، تخصيص 60 مليون دولار لتعزيز مشاريع الاقتصاد الأخضر، مستهدفاً تصفير غاز الكربون بحلول 2030، مما سيسمح باستحداث 3 آلاف وظيفة عبر تحويل حافلات النقل الكلاسيكية إلى مركبات كهربائية، وتوفير4400 وظيفة في مجال الطاقة الشمسية، و1700 وظيفة في مجال الطاقة النظيفة عموماً، وعلى ما يبدو فإن وعود خان الضخمة جداً قد لا تتحقق، ورهانه الأساسي سيكون على توزيع التطعيمات على كافة سكان المدينة، والانعتاق للأبد من الإغلاقات المدمرة للأنشطة الاقتصادية، ومساعدة أولئك الذين فقدوا وظائفهم في العثور على عمل جديد ومستقر، وإنشاء أكاديميات وظيفية للشباب.

تتركز إنجازات خان الاقتصادية خلال ولايته الأولى، والتي سيعمل على استكمالها خلال ولايته الثانية، على جعل لندن أول مدينة في العالم تخلو من التلوث البيئي مع انعدام الانبعاثات الكربونية في بعض المناطق، وبين إنجازاته المعتبرة زيادة مدخرات كل فرد يسكن لندن بحوالي 300 دولار، بالإضافة إلى نشاطه اللافت في بناء منازل جديدة للمجالس المحلية، وعلى سبيل المقارنة، فقد تم بناء 7 منازل فقط في عهد جونسون، بينما شيد خان 7 آلاف منزل للمجالس المحلية، وهذا هو أكبر عدد من المنازل يتم بناؤه منذ عام 1983، ومع ذلك، تبقى نقطة الضعف الأكبر في مسيرة العمدة خان، متمثلة في خسارة ألاف الوظائف، حيث تم تسجيل 300 ألف شخص من سكان لندن كعاطلين عن العمل خلال عام الجائحة، ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى مليون عاطل عندما ينتهي البرنامج الحكومي لضغط الوظائف في سبتمبر، في الوقت الذي غادر فيه أكثر من مليون عامل أجنبي المدينة خلال 2020.

مع ذلك، لا يجب أبداً أن يرتفع سقف طموح اللندنيين بشأن قدرات خان الاقتصادية، إذ تبقى صلاحياته محدودة مقارنة مثلاً بصلاحيات رئيس الحكومة، بل هي محدودة أيضاً حين يقارن بنظراؤه في الدول المتقدمة، وعلى سبيل المثال، يتمتع عمدة مدينة نيويورك، أو عمدة طوكيو، بصلاحيات أكبر من خان، ففي نيويورك ينفق مجلس المدينة 50% من الإيرادات الضريبية على المشاريع التي تفيد السكان المحليين، بينما في طوكيو ينفق مجلس المدينة 70% من الإيرادات الضريبية على ذات المشاريع، أما في لندن فإن نسبة الإنفاق لا تتخطى 7% فقط، وهذا أكبر معرقل للمشروعات الاقتصادية الطموحة التي يسعى خان إلى تنفيذها حتى تجد طريقها إلى النور.

 

خاص_الفابيتا