الاقتصاد الأمريكي.. والبنية التحتية المتهالكة

13/04/2021 0
د. خالد رمضان عبد اللطيف

ربما يستغرب البعض وصف البنية التحتية في الولايات المتحدة بالمتهالكة، لكنها الحقيقة التي يعانيها الشعب الأمريكي منذ عقود بسبب نقص التمويل وسوء الإدارة والإهمال، وعلى سبيل المثال، فقد شهدت السنوات الماضية انهيارات للجسور، وحوادث للقطارات، وحرائق مروعة، وتدمير للشبكات الكهربائية خلال العواصف الشتوية، وجفاف مأساوي للأراضي الزراعية في الغرب الأمريكي، وفضيحة مدوية لتلوث المياه بالرصاص في ولاية ميشيجان، ووفقاً لتقديرات الجمعية الأمريكية للمهندسين المدنيين، فإنه من دون جراحة جذرية، فإن التلف الذي تتعرض له الأنفاق والسكك الحديدية والممرات المائية، والتي يفوق عمر معظمها السبعين عاماً سيفقد الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي نحو أربعة تريليونات دولار بحلول عام 2025.

لكن، هذا لا يعني أن الفرص المهدرة جراء عدم كفاءة البنية التحتية أمرا فريداً في أكبر اقتصاد عالمي، إذ يرزح الاستثمار في البنية التحتية منذ عقود تحت مستويات متدنية جداً كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في اقتصادات كبرى مثل اليابان وألمانيا وفرنسا، ولهذا، فإن إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن عن خطة للبنية التحتية بقيمة 2.3 تريليونات دولار يعد اعترافاً صريحاً بالمشكلة المحرجة والمؤلمة للأمريكيين، وإذا كان الهدف المعلن لخطة الإنفاق هو إعادة تشكيل الاقتصاد الأمريكي، فإن الأمر قد يتعدى إلى ما هو أكثر من ذلك، وأعني بذلك تنفيذ خطة استراتيجية فعالة في مواجهة الصين عبر بناء الجسور والطرق السريعة والبنية التحتية للمركبات الكهربائية، بدلًا من استراتيجية السفن الحربية والطائرات المقاتلة والصواريخ، إذ أصبحت الأسلحة الحديثة مدمرة لدرجة أن اكتساب القوة من خلال الغزو لم يعد خيارًا مقبولاً.

تكافح الولايات المتحدة من أجل اللحاق بغريمها الصين التي دشنت في أقل من عشر سنوات شبكة سكك حديدية فائقة السرعة، فضلاً عن ريادتها في مجال الطاقة الخضراء، وشبكات الجيل الخامس، وقد تغير الاستراتيجية الأمريكية الجديدة الحسابات الصينية المبنية على الاعتقاد بأن واشنطن في حالة تدهور مستمر، وأن الغرب عموماً ضعيف وفاسد وغير منضبط، ولهذا لا ترى بكين فائدة من تقديم امتيازات لقوى عظمى مضطربة؟، ولا شك أن مثل هذه الأفكار التي تعتنقها النخبة الصينية ومنظرو الصين يمكن أن تقدح بكل بساطة زناد الصراع الذي يتلوى فوق حقل من الألغام، وستضعف بكل تأكيد الموقف التفاوضي للمفاوضين التجاريين الأمريكيين.

ما الجديد إذاً في خطة بايدن للبنية التحتية؟، والتي يسميها البعض نهج "المجتمع العظيم".. لا شك أنها تعتبر تغيراً استراتيجياً في النهج الأمريكي إزاء المنافسة مع الصين، حيث تسعى الخطة المرتقبة إلى إجراء إصلاحات ضرورية على منظومة الخدمات الأساسية الأمريكية التي أصبحت مصنّفةً في المرتبة الثالثة عشرة على مستوى العالم من حيث حداثتها، متراجعة من المركز الخامس في عام 2002، فيما كان النهج الكلاسيكي يركز على إلقاء اللوم على بكين في كل ما يعتري واشنطن من ضعف، وبالتالي لم تكن الإدارات العليا السابقة منتبهة بشكل قوي إلى إصلاح المطارات المتداعية، والمدارس المتهالكة، والطرق السريعة المليئة بالحفر، والواقع، أنه كلما حاولت أمريكا هدم الصين، نهضت بكين للاعتماد على الذات، وإذا نجحت خطة بايدن، فستحفز الأمريكيين أكثر على منافسة غريمها اللدود بفعالية أكبر، والواقع أن الصين تنفق في الوقت الراهن ثلاثة أضعاف ما تنفقه الولايات المتحدة على البنية التحتية.

في المقابل، فإن الشركات الصناعية ومواد البناء ستكون أكبر المستفيدين من خطة بايدن، إلى جانب الشركات الصغيرة التي ترتبط مبيعاتها بشدة بدورات الإنفاق الرأسمالي في الولايات المتحدة، وبالرغم من أن الخطة تخيف "وول ستريت" بسبب أن التمويل سيأتي من زيادة ضرائب الشركات إلى 28 ٪ ، إلا أن هناك العديد من الأسهم الأمريكية ستستفيد من تلك الخطة، وقد بدأت "وول ستريت" بالفعل في تسعير الإنفاق على البنية التحتية بحوالي 4 تريليونات دولار، ومن المرجح أن يتفاعل السوق مع الزيادات المحتملة في ضرائب الشركات وارتفاع عائد سندات الخزانة والذي سيؤدي إلى زيادة نفقات ديون الشركات. 

 

 

خاص_الفابيتا