يتساءل الكثيرون عن أسباب مرونة الاقتصاد الصيني وطريقة تكيفه بشكل استثنائي مع التداعيات الكارثية لجائحة كورونا، فيما لا زالت بعض دول العالم تتكبد خسائر فادحة؟، وعلينا أن نتذكر أنه بينما كان البعض يشكك في بدايات الأزمة في موثوقية سلاسل التوريد الصينية، استطاعت الشركات الصينية قلب الطاولة على هذا التيار المشكك، فنجحت بنهاية 2020 في التهام المزيد من الحصص السوقية، ما أدى إلى إنقاذ 90% من الوظائف، كما أدى إرجاء سداد الضرائب، أو إلغاء بعضها، إلى صمود الشركات الصغيرة والمتوسطة، التي تسهم بنسبة 60 % من الناتج المحلي الإجمالي، والبقاء بفاعلية في سوق مضطربة.
أبرز مظاهر التكيف الصيني تمثل في مرونة المصدرين ونجاحهم في الوفاء بطلبيات المعدات الطبية والأجهزة المنزلية ومعدات الحاسوب، وإلى جانب السيطرة الفعالة على الوباء فإن نجاح الصادرات يرجع إلى قوة النسيج الصناعي الصيني والبنية التحتية الصلبة، مما سمح بتجاوز الناتج المحلي الإجمالي 100 تريليون يوان ليبلغ 101.6 تريليون، أي حوالي 15.68 تريليون دولار، وبهذا وصل متوسط نصيب الفرد الواحد من الناتج المحلي 10 آلاف دولار، وهذه أيضاً المرة الأولى التي يقترب فيها الناتج المحلي الإجمالي للصين من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي الذي يقدر بحوالي 20.8 تريليون دولار.
لكن، تفرد النمو الصيني لم يأت من فراغ، ويبدو أن مرد ذلك إلى سياسة الحفاظ على النشاط التجاري للمواطنين دون أن يمسه شئ، فبينما أغلقت العديد من المتاجر والفنادق والمطاعم في معظم دول العالم، قدمت الصين الدعم للشركات المتضررة من الأزمة وخاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة مما حمى الطبقة المتوسطة من الانقراض، فلم تعاني الشركات الصينية كمثيلاتها في العالم من شطب الوظائف أو عدم سداد الإيجارات، لكن هذا لا يعني أن الأمور وردية أو أن هذه الشركات استعادت كامل لياقتها التصديرية المتمركزة في الأساس على الصناعات التقنية.
بالرغم من هذا النمو الصيني الاستثنائي إلا أن الأمر لا يخلو من مشكلات، إذ يواجه ثاني أكبر اقتصاد في العالم أزمة شيخوخة قد تؤدي إلى إحداث تغيير جذري في المشهد الاقتصادي تماماً، والواقع أن الصين تشيخ أسرع من أي مكان في العالم، ويمكن أن ترتفع نسبة الإعالة إلى 44% بحلول عام 2050، وفي الأمد القريب سيشكل عدد السكان الصينيين الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاما 14% بحلول عام 2022، ما يعني أن تلك النسبة من السكان وغالبيتهم من المسنين والشباب العاطل عن العمل ستعيش من مكتسبات بقية السكان العاملين، وبالتالي يتوجب تحسين نظام التقاعد في أسرع وقت ممكن، بما في ذلك رفع سن التقاعد وتطبيق نظام التقاعد المرن.
اللافت في الأمر، هو استنزاف المسنين المستمر وبلا هوادة لموارد صناديق التقاعد، حيث تتعرَّض الحكومة الصينية لضغوط كبيرة لأن أموال صناديق المعاشات التقاعدية تنفد بسرعة، وهكذا يُشكِّل كبار السن ضغطا على نظام الضمان الاجتماعي، إذ تواجه نصف صناديق التقاعد الصينية عجزاً، بينما يقع العبء الزائد على قوة العمل الشابة لدعم المسنين، ويبدو أن اشتراكات التقاعد من قِبَل العمال الحاليين لن تعود كافية لتلبية مطالب المتقاعدين، وقد اضطرت الحكومة إلى سد تلك الفجوة منذ عام 2014، وهكذا، يُشكِّل نقص موارد صناديق المعاشات صداعاً مزمناً للحزب الحاكم، حيث يُعرقل هذا العجز المتراكم من مساعي السلطات لوقف نزيف الديون التي تعرقل نمو الشركات الحكومية.
خاص_الفابيتا