في سوق النفط هناك 4 دول تشكل أغلب العرض والطلب، في العرض السعودية وروسيا وأمريكا وفي الطلب الصين وأمريكا. هناك دول في الصف الثاني لها دور لكنه ليس حاسما. السباق في سوق النفط دائما بين تباطؤ النمو في الطلب والاستنزاف الطبيعي في ظل منظومة سعرية متغيره طبقا للحالة الاقتصادية والجيوسياسية والتقنية. كل متابع للنفط قرأ كثيرا عن ذروة الإنتاج وذروة الطلب، والضغط على مصادر الطاقة الأحفورية، ولكن نمو استهلاك الطاقة هو الثابت وخاصة أهم مصادرها النفط. الاختلاف بين اقتصادات المصادر المختلفة وحالة التسييس التي صاحبت الاهتمام المستحق عن البيئة، بداية القرن العشرين بدأت ببروز الاقتصاد الصيني وبالتالي تنامي طلبها للنفط، وفي 15 سنة الأخيرة تقريبا دور النفط الصخري في أمريكا. مرة أخرى نقف على عتبة تغير آخر، فالصين تمر بحالة اقتصادية مشابهة لما مرت بها اليابان قبل 3 عقود تقريبا - مرحلة يحكمها نهاية النمو الكبير والتراجع السكاني وإعادة هيكلة الاقتصاد خاصة في علاقته بالتقنية، وإنتاج أمريكا قد يصل إلى ذروة الإنتاج في هذا العام أو العام المقبل، فقد بدأ إنتاج الغاز في الانخفاض. أستقرئ هذه التوقعات من متابعة مصادر عدة عالمية وكلها قابلة للخطأ والمراجعة.
حاليا دور الصين مركزي كأكبر مستورد للنفط بالنسبة إلى السعودية. استهلكت الصين نحو 11 مليون برميل يوميا في 2024 بانخفاض 240 ألف برميل مقارنه بالعام السابق، مقابل إنتاجها الذي لا يتجاوز نحو 28% من استهلاكها. السبب يعود أغلبه إلى سوق الإنشاءات/ العقار التي تعاني منذ سنوات. تتوقع شركة سانيبوك إحدى أكبر الشركات النفط الصينية أن يستمر نمو استهلاك النفط حتى 2027. كما ذكرت سابق التشابه مع تجربة اليابان مهم، فمثلا المعروف أن الاقتصاد الياباني وصل الذروة في النمو والتوسع الصناعي مع السقوط المالي والعقاري في 1989، ولكن استهلاك النفط استمر في النمو حتى 1996 ليصل إلى 5.7 م - ب - ي، ومن ثم بدأ رحلة التراجع ليصل إلى 3.4 في 2023، أحد أسباب التراجع في استهلاك اليابان كان بسبب الجهود المؤثرة في الفاعلية والكفاءة في توظيف الطاقة.
المقارنات أحيانا خادعة لأن المرحلة مختلفة والتقنية تسارعت والاستحقاقات البيئية والاقتصادية وتنوع مصادر الطاقة المتجددة تغيرت. لكن أيضا لا تزال الصين في مرحلة مختلفة عن اليابان في متوسط دخل الفرد واستهلاكه من الطاقة، وأخيرا يبلغ حجم السكان في الصين نحو 11 ضعف اليابان. تقدر شركة الصين الوطنية أن ينخفض استهلاك الصين من وقود العربات بنحو 25-40% في خلال العقد القادم المقبل، ولكن هذا قطاع واحد تأثر كثيرا لاهتمام الصين بالسيارات الكهربائية في محاولة للقفز حول المنافسة. مع الغرب من ناحية والتلوث في المدن الصينية من ناحية أخرى. فمثلا تغير طبيعة الطلب الصيني من التنقل إلى صناعة البتروكيماويات. الواضح أن طلب الصين سوف يستمر بدرجة عالية ولمدة طويلة وغالبا لم يصل الذروة من ناحية والانخفاض في الاستهلاك سوف يكون بطيئا أسوة باليابان وأمريكا.
ليس لدي توقع لنمو الطلب في الصين على مدى السنوات المقبلة فضلا عن توقع الأسعار، ما يهمني أكثر الطمأنينة على الطلب من ناحية والأسعار الحقيقية ممثلة بما يسميه الاقتصاديون الأسعار المرادفة (terms of trade)، المقصود بها لغير الاقتصاديين كم برميل يعادل سعر سلة غذاء محددة أو سيارة عادية أو أي سلعة متداولة للجميع وخاصة في السلع التي تقبل المتاجرة الدولية. لا شك أن نمو الاستهلاك الصيني كان وما زال إحدى سمات السوق النفطية في العقود الثلاثة الماضية وربما يساعد نهج إدارة ترمب على هذا التوجه ولكن من المبكر تقدير التوازنات خاصة أن التداخل بين الجيوسياسي والاقتصادي في تزايد والتقنية في تسارع كما نشهد في الطلب على الطاقة مع نمو الذكاء الاصطناعي. سمعنا كثيرا عن ذروة الطلب بعد أن سمعنا عن ذروة العرض بينما الاستهلاك في نمو، ولكن مع هذا الحذر ومتابعة تغير الاقتصادات دائما مستحق، وهذا ما تقوم به وزارة الطاقة ممثلة بالمحنك سمو وزير الطاقة وفريقه الكفؤ.
نقلا عن الاقتصادية