يبدو الفريق الاقتصادي للرئيس الأمريكي جو بايدن مقتنعاً بضرورة تبريد العلاقات الساخنة مع الصين، حيث يشكل العملاقان الكبيران واحدة من أكبر علاقات الاستثمار الثنائية وأسرعها نموا في العالم، وهو ما يجب تنميته خصوصاً في زمن الجائحة، وهنا يبدو السؤال منطقياً حول حظوظ الرئيس بايدن في تفادي أخطاء سلفه إزاء الملف الصيني؟، وهل تملك الإدارة الجديدة سياسة مختلفة تضمن تحقيق المصالح المشتركة؟، ثم لماذا فشلت استراتيجية ترامب الجريئة، ولم تحقق إلا القليل من أهدافها؟.
يبدو أن إدارة ترامب تصورت أن بوسعها حل المشكلة مع الصين بمفردها، ولهذا بدلاً من مراجعة منظمة التجارة العالمية أو الحلفاء الموثوقون للولايات المتحدة، اتخذ ترامب قرارات أحادية وفرض تعريفات مرهقة جداً، قوبلت من الصين بتعريفات انتقامية، ورغم الاتفاق الأولى بينهما في نهاية 2019، إلا أن معظم التعريفات الإضافية والانتقامية لا زالت سارية، وفيما لم تكن الصادرات الأمريكية إلى بكين على قدر التوقعات، لأن الأسواق الصينية لم تفتح بالكامل، ارتفعت حيازات المستثمرين الأمريكيين من الأوراق المالية الصينية بشكل كبير، ووصلت إلى 1.1 تريليون دولار بنهاية عام 2020، وهذا يعني أن السياسات الحمائية لم تحد من شهية السوق لمزيد من التكامل المالي.
خلال يوميات الحرب التجارية، تقمصت إدارة ترامب دوري المدعي والقاضي في قضية تجارية بحتة، وهذا أمر لا يوحي بالثقة، فإذا كانت الصين أو الاتحاد الأوروبي أو كندا والمكسيك ينتهكون الالتزامات التجارية أو يتصرفون على نحو غير عادل، فإنه لا يمكن حسم هذا النزاع الخطير من خلال إذعان بقية الأطراف المتضررة للقانون الأمريكي دون سواه، وإذا كانت إدارة ترامب تجادل بأن الإدارات السابقة اتبعت نهجاً متعدد الأطراف بشأن الصين، ولكنه فشل، فإن التاريخ الدقيق يشير إلى أن الصين كانت عضوا في منظمة التجارة منذ عام 2001، لذلك فإن هناك إدارتان فقط معنيتان بهذه الاستراتيجية الفاشلة.
إدارة جورج بوش الابن، هي أول من تعامل مع الصين باعتبارها عضوا جديداً في منظمة التجارة العالمية، حينها تمتعت بكين بفترة إعفاء انتقالية قبل أن تتعرض لضغوط بشأن الامتثال لالتزامات المنظمة، وبانتهاء فترة الإعفاء، كانت الولايات المتحدة منغمسة في حربها على "الإرهاب"، وبالتالي لم تول الصين الاهتمام الكافي، ولم يكن فريق بوش الاقتصادي في وضع يسمح له بتشديد الضغط على الصين، لكنه مع ذلك انخرط في رفع بعض القضايا أمام منظمة التجارة، وهذه نتائجها كانت محدودة نسبياً، والمؤكد أن إدارة بوش المشتتة، والتي لم تعط الدعاوى القضائية أمام منظمة التجارة الاهتمام الكافي، حققت نتائج جيدة عبر الاستراتيجية متعددة الأطراف.
وبينما بدأت الإدارة الجديدة مراجعة الإجراءات السابقة، لا يزال من غير المؤكد إلى أي مدى سيكون بايدن متشددا تجاه الصين، لكن المؤكد هو أن إدارته تسعى للتعلم من أخطاء الماضي، وستكون ضربة البداية من الانسحاب التدريجي من الحروب التجارية المختلفة لمصلحة الاقتصاد العالمي المكلوم، وربما تسعى واشنطن للضغط على بكين للتوقيع على التزامات جديدة، ومنها الانضمام إلى اتفاقية عمليات الشراء الحكومية، مما سيسمح بتمرير المزيد من عقود الشراء للموردين الأجانب، ومن خلال الجهود المنسقة، يمكن للولايات المتحدة وحلفائها إرسال رسالة واضحة للصين بضرورة إعادة هيكلة اقتصادها ليصبح أكثر انفتاحاً على السوق.
في المقابل، تبدو بكين قلقة بشأن انفصال السياسات الاقتصادية مع واشنطن، ولهذا وقعت مؤخراً على اتفاقية شاملة للاستثمار مع الاتحاد الأوروبي، واتفاقية الشراكة الاقتصادية مع الدول الآسيوية، مما يعني رغبة الصين في ضمان استمرار تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث تعد أكبر متلق للتدفقات الأجنبية في العالم بنحو 163 مليار دولار، متجاوزة 134 مليار دولار اجتذبتها الولايات المتحدة في 2020، وبالرغم من أن خطاب بكين المتشدد إزاء الغرب وأمريكا، فإن الأرقام تشير إلى الاتجاه المعاكس.
خاص_الفابيتا