يبدو أن إخراج الاقتصاد الأمريكي من عثرته الحالية سيصبح أولى الاختبارات العسيرة التي سيخوض غمارها الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن عقب تنصيبه رسمياً خلال يناير المقبل، في الوقت الذي يزداد فيه تعقيد الأمور مع عودة إغلاق الأنشطة الاقتصادية والخدمية في الولايات المتحدة بفعل اندلاع الموجة الثانية لتفشي الوباء، الأمر الذي يجعل سيناريو مفاوضات الدعم الفيدرالي للعائلات والشركات المتضررة يكتسي صبغة طارئة واستثنائية، ولهذا يتعين على الديمقراطيين "أصحاب الفرح" الاختيار بين طريقين لا ثالث لهما، فإما اتخاذ إجراءات سريعة لوضع الاقتصاد على الطريق الصحيح، أو الانتظار حتى موعد تسليم السلطة للرئيس الجديد، وإطلاق يده في تحديد كمية التحفيز ومدته، فلأى اختيار يرضخ الديمقراطيون؟، هذا هو السؤال.
بوسع الرئيس المنتخب للتو أن يقرر الآن ما إذا كان سيدفع بحلفاؤه السياسيين باتجاه قبول تسوية سريعة للتحفيز المالي، حتى وإن كانت دون التطلعات، أو يبقى بانتظار تنصيبه رسمياً، لكي يتمكن من اتخاذ حزمة
إنقاذ واسعة، وإزاء ذلك، علينا أن نتوقع منذ الآن فصاعداً تأثيراً سلبياً ممتداً على النمو الاقتصادي بسبب استمرار حالة الشقاق السياسي، والذي قد تمتد آثاره لفترة طويلة خلال حقبة بايدن الذي يراهن على توسيع حملة "اشتروا ما هو أمريكي" لدعم الإنتاج المحلي، ومن ثم إيجاد ملايين فرص العمل الجديدة، بينها مليون فرصة في قطاع صناعة السيارات، لكن ذلك يبقى مرهوناً هو الآخر بنجاح السيطرة على الجائحة.
رغم اتفاق الحزبين الجمهوري والديمقراطي على ضرورة التحرك بشكل عاجل لإنقاذ اقتصاد بلادهم من الركود، إلا أنهم مختلفون في التعاطي حول حجم ومحتوى حزمة الدعم المالي، والأسوأ أن حوار الحزبين يتعقد أكثر في ظل التطورات السريعة للاقتصاد الأمريكي، والأوضاع الصحية المتردية، إذ يتشبث الجمهوريون بالتقارير التي تشير إلى صلابة أداء الاقتصاد بشكل يفوق التوقعات منذ تفشي الوباء، وبناءً على ذلك يرفضون تمرير حزمة كبيرة من الدعم الحكومي؛ متجاهلين الارتفاع القياسي في عدد المصابين بالفيروس والذي زاد من حدة المخاطر التي تحيط بأكبر اقتصاد عالمي، وبينما تتعالى الأصوات مطالبة الكونجرس بضخ المزيد من الأموال في أسرع وقت ممكن، يرى الجمهوريون المحافظون أن حزمة أصغر من المساعدات كافية الآن.
إزاء هذا الوضع التناحري بين الحزبين المتشاكسين، ووسط فاجعة تباطؤ الوظائف الجديدة، وتزايد أعداد العاطلين عن العمل، ربما من المتوقع أن يقبل الحزب الديمقراطي بتسوية سريعة مع غريمه السياسي، بالموافقة على حزمة إنقاذ أصغر بهدف تسريع عملية الإنقاذ البطيء، لكن هذا لا يعني القبول بحزمة صغيرة جدا من الدعم؛ لأن هذا غير كاف، وسيجعل تمرير حزمة أخرى أكبر في المستقبل صعباً جداً.
وفقاً لأجندة بايدن الاقتصادية، فإنه سيقدم خطة إنعاش واسعة النطاق، لكن هذا مرهون بفوز الديمقراطيين بأغلبية مجلس الشيوخ، والتي تبقى مرهونة هي الأخرى بالفوز بمقعدي جولة الإعادة بولاية جورجيا خلال يناير المقبل، ومالم تتحقق لحزبه الأغلبية المطلوبة، فإن قدرة الرئيس المنتخب على الدفع نحو خيار الإنعاش الاقتصادي الواسع ستكون محدودة، لأن الجمهوريون يتخوفون عجزاً قياسياً في الموازنة، والذي يبلغ حالياً نحو 3.3 تريليون دولار، الأمر الذي قد يعرقل الموافقة على تمرير خطة تحفيز اقتصادي يقترحها الديمقراطيون.
لكن، الظرف الاستثنائي الراهن يتطلب من الحزبين الرئيسيين الارتقاء لمستوى المسؤولية لإنقاذ الأسر والشركات الأمريكية المتضررة، فضلاً عن أن الفئات المهمشة تاريخياً في الولايات المتحدة بحاجة ماسة وضرورية للمساعدة المالية، إذ ما تزال معدلات البطالة في صفوف السود مرتفعة جداً، فيما فقد مئات الآلاف من النساء وظائفهن؛ بسبب ضرورة الاعتناء بالأطفال بعد إغلاق المدارس، ولا شك أن اندلاع الموجة الثانية، وربما الأشد، من تفشي الوباء المميت ستفاقم معدلات البطالة مرة أخرى، ولهذا فإن السرعة، والسرعة وحدها، هي العامل الأكثر أهمية عندما يتعلق الأمر بإنقاذ خبزة الأمريكيين اليومية، وحماية ملايين الوظائف، وإخراج الاقتصاد المتباطئ من غرفة الإنعاش الكئيبة.
خاص_الفابيتا