لماذا لا يشطب الأغنياء ديون الفقراء؟

19/07/2020 4
د. خالد رمضان عبد اللطيف

لا شك أن الأوقات العصيبة التي يمر بها العالم اليوم تعد كارثية على الدول الفقيرة، وإذا لم يقدم العالم الغني تضحيته المرتقبة، فإننا قد نخرج من الأزمة الراهنة لنجد أنفسنا أمام جوعى تتخطى أعدادهم نصف سكان الكرة الأرضية، ما يعني أنها مسألة حياة أو موت، ولهذا فإن سؤال المثاليات أو التضحيات الكبرى، يبحث في مدى إمكانية إلغاء ديون الدول الفقيرة؛ خاصة في ظل تزايد المخاوف بشأن هجمة مرتدة للجائحة، والتي دمرت في موجتها الأولى الدول الفقيرة ووضعتها على رادار السبات الاقتصادي طويل الأمد، وهي التي تعاني بالأساس من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والمرض، وتفتقر إلى شبكات أمان اجتماعي موثوق فيها.

منذ تفشي الفيروس القاتل، ودول العالم النامي تعاني شحاً في العملات الصعبة، الضرورية لتلبية متطلبات الواردات الصحية وخدمة أقساط الديون، في الوقت الذي تفر منها الرساميل الأجنبية، إذ تشير بيانات صندوق النقد الدولي إلى أن نحو 100 مليار دولار هربت من الدول الفقيرة منذ بداية العالم الجاري، بينما تتراجع تحويلات مغتربيها الذين يعملون في الدول

الغنية بسبب الإغلاق والعزل الاجتماعي، إلا أن هذا لا يعنى أن قطار الأضرار سيتوقف عند الدول الفقيرة، ولن يطال الدول الغنية المعتمدة على التصدير والإغراق السلعي، إذ ستؤدي الأزمة حتماً إلى الإضرار بسلاسل التوريد العالمية، والأسواق المالية، وغيرها من العمليات التجارية المتبادلة.

يقيناً، فإن الوضع الذي يواجه البلدان الأكثر فقرًا يزداد سوءًا، فليس لديهم ذات القدرة التي تملكها الدول الغنية على اقتراض الأموال بفوائد منخفضة أو طباعة الأموال الخاصة بهم على المكشوف، وهكذا يواجه الكثيرون منهم الآن خطر التخلف عن سداد الديون في ظل العطب الذي أصاب التروس الحيوية في اقتصاداتهم، ورغم أن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي اتخذا خطوات جادة صوب تخفيف عبء الديون لعشرات الدول الفقيرة، إلا أن هذا الأمر ليس كافياً في ظل المستحقات الرهيبة للدائنين من القطاع الخاص، وربما يكون الاختراق الإيجابي الأقرب في هذا الملف، أن تقوم مجموعة العشرين بتمديد أجل تجميد مدفوعات خدمة الديون للدول الأشد فقرا إلى ما بعد نهاية 2020، بهدف منح الدول النامية مساحة أكبر للتنفس، ما سيوفر نحو 20 مليار دولار من السيولة الفورية.

على أن الأزمة الراهنة تبرز المستويات الصارخة لعدم المساواة العالمية، فحتى قبل أن تضرب الجائحة العالم، أنفقت 64 دولة دخلها القومي في خدمة ديونها المُستحقة للبلدان الأكثر ثراء، والمنظمات المتعددة الأطراف مثل صندوق النقد الدولي والمقرضين الخاصين، على نحو يفوق ما خُصص للإنفاق على الرعاية الصحية لشعوبها، فيما تشير التقديرات إلى أن البلدان النامية تتحمل أعباء ديون خارجية بنحو 11 تريليون دولار، بالإضافة إلى 3.4 تريليون دولار خدمة دين مستحقة في العام الجاري.

ومن بين المتناقضات الرهيبة التي تبرز الهوة الشاسعة بين أغنياء العالم وفقراؤه، أن احتياطيات الذهب ارتفعت إلى 19 مليار دولار منذ انتشار الجائحة، مما يضع مسؤولية أدبية على صندوق النقد الدولي، إذ يمكنه استخدام الأرباح المفاجئة في إلغاء الديون لتجنب خسائر اقتصادية وبشرية هائلة في البلدان النامية، كما يمكن للصندوق تبني جولة جديدة من حقوق السحب الخاصة، والتي يمكن أن تجلب سيولة عالمية بتريليونات الدولارات، علماً بأن هذه الآلية التي استخدمها الصندوق لآخر مرة عام 2009 في أعقاب الأزمة المالية العالمية، لن تؤثر على دافعي الضرائب في

الدول الغنية، كما أن الدول الأكثر ثراءً يمكنها أن تحول طواعية بعض الأموال الناجمة عن حقوق السحب الخاصة إلى الدول الأكثر فقرًا، وهي خطوات لا تكلف دافعي الضرائب بنسًا واحدًا.

في ظل هذا الوضع الخطير الذي يضرب الشعوب الفقيرة، فإن اتخاذ إجراءات منسقة لإلغاء الديون وتوفير الاستقرار المالي، هو أقل ما يمكن فعله لمنع الانزلاق إلى وضع دراماتيكي لا يمكن تصوره من تفشي الفقر، والجوع، والمرض، بين مئات الملايين من البشر، إلا أن اللافت في الأمر أن الولايات المتحدة الأمريكية، ترفض هذه الفكرة تماماً، معللة ذلك بعدم رغبتها في إنشاء آلية تعزز الاحتياطيات الأجنبية لدول لديها خصومة معها مثل الصين وروسيا، دون إجبارها على تقديم أي تنازلات.

لكن هذا التفكير يعد قصير النظر، لأنه عندما تشتعل النار في منزلك، فإنه لا يمكنك منع رجل الإطفاء من أداء مهمته لحين حسم من سيدفع ثمن المياه، وبالتالي، فإن هذه هي أقرب أداة من شأنها أن تساعد أكبر عدد من البلدان الفقيرة، كما يمكن للإدارة الأمريكية أن تستفيد من نفوذها في صندوق النقد الدولي لدفع الصين، التي تمتلك أكبر شريحة ديون في العالم النامي، إلى

تقديم المزيد من الإعفاءات خاصة وأن الصين غير ملتزمة بتقديم إعفاء كبير لهذه الدول. 

 

خاص_الفابيتا